بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه" (١) وأنا الآن منكر بقلبي غاية الإنكار! !
فنقول: لو صدقت في ذلك لقمت؛ إذ أن الجوارح تبع للقلب، فلو كره القلب ذلك لكرهته الجوارح، وهذا لا يغنيك، ولا بد أن تفارق، وإلا كنت مثلهم.
فإن قال قائل: إذًا حرموا على الإنسان الجلوس مع حالق اللحية؛ لأن حلق اللحية حرام؟
فالجواب عن ذلك: أنه يجب علينا أن نغادر المكان حين نراه يحلقها بالفعل، أما وقد انتهى الفعل ولم يبق إلا أثره فلا يلزمنا أن نغادر المكان الذي هو فيه، ومثله لو قال قائل: إذا شممت رائحة الدخان في إنسان وجب عليك أن تفارقه؛ لأن أثر الدخان في فمه؟ فالجواب: لا يجب، نعم إذا رأيته يشرب الدخان حينئذ أنهاه، فإن نفع وإلا قمت، أما أثر المعصية فليس كفعل المعصية.
٧ - تحريم التعاون على الإثم والعدوان، وجهه: أنه إذا حرم القعود مع فاعل المنكر فالإعانة من باب أولى، مثل أن تهيئ له المكان، فترشه، وتطيبه، وتأتي بالأواني، وتصب له القهوة والشاي، فهذا حرام من باب أولى.
٨ - أن جليس الصالحين الذين يعملون الصالحات مثلهم ومنهم، بقياس العكس؛ لأنه إذا وزر بالجلوس مع العصاة أجر بالجلوس مع الطائعين، وقد استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا القياس بنفسه
(١) رواه مسلم، كتاب الإيمان, باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص، حديث رقم (٤٩) عن أبي سعيد الخدري.