ذكر حالًا ذكر ما يضادها، إذا ذكر عقوبة ذكر المثوبة؛ لأنه مثاني تثنى فيه المعاني، فيؤتى بهذا ثم بهذا, ولأن التنويع مما يشد النفس والذهن إلى ما يتلى أو يسمع؛ ولأجل أن يكون سير الإنسان إلى الله عزّ وجل بين طرفي النقيض: الإفراط والتفريط؛ لأن الإنسان لو غلب جانب الرجاء لحصل له الأمن من مكر الله، ولو غلب جانب الخوف لحصل عليه القنوط واليأس من رحمة الله.
قول الله عزّ وجل:{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} الإيمان بالله سبق عدة مرات ماذا يتضمن، والإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام كذلك، فإنه يقتضي الإيمان بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله عزّ وجل، وأما الإيمان بشرائعهم فإن الشريعة الإِسلامية التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم - نسخت جميع الشرائع، لكن نؤمن بأن شرائعهم من عند الله عزّ وجل.
قوله:{وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} في أصل الإيمان لا في العمل، ففي أصل الإيمان نؤمن بالجميع، وأنهم كلهم رسالتهم حق من عند الله، أما العمل فقد قال الله تبارك وتعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة: ٤٨] ووجه ذلك: أن أصل الإيمان شيء واحد، وهو الإيمان بالواحد القهار عزّ وجل، وأما الشرائع فإنها تختلف باختلاف الناس وأحوالهم، والعموم والخصوص، فلهذا جعل الله لكل {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} حتى الشريعة الإِسلامية في أول أمرها ليست كالشريعة الإِسلامية في آخر الأمر، ففي أول الأمر ليس هناك صوم، ولا زكاة، ولا حج، ثم فرضت الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة؛ لأن الله عزّ وجل يشرع الشرائع حسب ما يليق بأحوال الناس.