وقوله:{وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} يعني: في أصل الإيمان, فيقولون: إيماننا بمحمد، وإيماننا بنوح عليهما الصلاة والسلام على حد سواء، بمعنى: إننا نؤمن بأن الرسولين الكريمين وكذلك من بينهما من الرسل كلهم على حق ومن عند الله، وهذا في أصل الإيمان كما قلت، أما في الشرائع فتختلف.
قوله:{أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ}، {أُولَئِكَ} أتى باسم الإشارة هنا تعظيمًا لهم، وجاءت بصيغة البعيد لعلو منزلتهم.
وقوله:{سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ}، سوف والسين تتناوبان على فعل المضارع كثيرًا، لكن هناك بينهما فرق، فالسين للتحقيق والتقريب، وسوف للتحقيق مع البعد، فهذا الفرق بينهما، وكلاهما يدل على التحقيق، لكن السين للقريب، وسوف للبعيد، فهل إيتاء أجورهم كان بعيدًا؟
الجواب: هو بعيد قريب، أما من جهة امتداده، وأن الله تعالى يجازيهم شيئًا فشيئًا، ثم يأتي الجزاء الأوفى في يوم القيامة فهو لا شك أنه بعيد، وأما كون كل آت قريب فهو قريب، كما قال الله تعالى:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}[الشورى: ١٧].
وقوله:{سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ} أي: ثواب أعمالهم، وسمى الله ثواب الأعمال أجورًا تكرمًا منه وفضلًا منه عزّ وجل، فكأنه استأجر هؤلاء على عمل عملوه ثم أعطاهم أجرهم، كالإنسان يستأجر أناسًا ليبنوا له بناءً فإذا بنوه أعطاهم أجورهم، وهذا يعني أن الله عزّ وجل التزم وألزم نفسه سبحانه بأن يثيب هؤلاء، ولا مانع من أن يكون الله تعالى ألزم نفسه بما شاء كما قال تعالى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام: ٥٤].