للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما دخلوا على أستاههم، والإست: هي الدبر، والمعنى أنهم دخلوا يزحفون - والعياذ بالله - استكبارًا، وقيل: إنهم دخلوا على القفا، وقيل لهم: قولوا حطة، ولكنهم لم يفعلوا، لم يقولوا: حطة بل قالوا: حنطة، يعني: كأن هؤلاء القوم لا يريدون إلا أن يأكلوا ويشربوا فقط كالبهائم.

قوله: {وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} وفي قراءة: "لَا تَعدُّوا في السَّبْتِ" والتعدي والعدو بمعنى واحد، والمعنى: {لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} بصيد الحيتان وقد حرمت عليكم، وكان اليهود قد حرم الله عليهم أن يصيدوا الحوت في يوم السبت ابتلاء وامتحانًا، فصارت الحيتان تأتي يوم السبت شرعًا، أي: طافية على سطح الماء وبكثرة، وكان اليهود - كما هو معروف من سيرتهم - أهل طمع وجشع، فغاظهم ذلك، وقالوا: ما الطريق إلى أخذ هذه الحيتان التي تأتي يوم السبت شرعًا، وفي غير يوم السبت لا يأتي منها شيء، فاحتالوا على ذلك بأن وضعوا شباكًا يوم الجمعة، فتأتي الحيتان وتتساقط فيها، ثم يأتون يوم الأحد فيأخذونها، فالفعل هنا ظاهره الإباحة؛ لأنهم ما تعدوا في السبت، لكن المقصود منه انتهاك حرمة الصيد في يوم السبت.

ولهذا قيل لهم: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: ٦٥] فقلبوا قردة؛ لأن القرد أشبه ما يكون بالإنسان، وهم بفعلهم هذا يشبه أن يكون حلالًا؛ لأنهم لم يصيدوا مباشرة يوم السبت، لما قيل لهم: {لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} لم يمتثلوا بل اعتدوا يوم السبت على وجه الحيلة والمكر والخداع، ومن استحل المحرم بالحيلة فهو أعظم إثمًا ممن استحله بصرحه؛ لأنه إذا استحله بالحيلة جمع بين مفسدتين:

<<  <  ج: ص:  >  >>