للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنا روينا عن نبيّ الهدى ... في السنة الواضحة الساميه

بأنَّ لله أمرًا قائما ... بالدِّين في كلّ تناهي مائه

فعمر الحبر حليف العلى ... قام به في المائة الباديه

والشافعي المرتضى بعده ... قرره في المائة الثانيه

وابن سريج بعده قد أتى ... في المائة الثالثة التاليه

والشيخ سهل عمدة للورى ... في المائة الرابعة الخاليه

قال الشيخ تاج الدِّين السبكي: وكان على رأس المائة حجَّة الإسلام الغزالي، وعلى السَّادسة الإمام فخر الدّين الرَّازي، وعلى السابعة الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد باتّفاق من أدركنا من مشايخنا.

وقال ابن الأثير: اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، كلّ واحد في زمانه وأشاروا إلى القائم الذي يجدّد للناس دينهم على رأس كلّ مائة سنة، وكان كلّ قائم قد مال إلى مذهبه وحمل تأويل الحديث عليه، وذهب بعض العلماء إلى أنَّ الأولى أن يحمل الحديث على العموم، فإنَّ قوله عليه السلام: "إنَّ الله يبعث لهذه الأمَّة على رأس كلّ مائة سنة من يجدِّد لها دينها"، لا يلزم منه أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلًا واحدًا، بل قد يكون واحدًا وقد يكون أكثر منه، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء وإن كان انتفاعًا عامًّا في أمور الدين، فإن انتفاعهم بغيرهم أيضًا كثير، مثل أولي الأمر، وأصحاب الحديث، والقرَّاء، والوعَّاظ، وأصحاب الطبقات من الزهاد، ينفعون بفنّ لا ينفع به الآخر، إذ الأصل في حفظ الذين حفظ قانون السياسة، وبثّ العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء، ويتمكّن من إقامة قانون الشرع، وهذه وظيفة أولي الأمر، وكذلك أصحاب الحديث ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلَّة الشرع، والقرّاء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الرّوايات، والزهَّاد ينفعون بالمواعظ والحثّ على لزوم التقوى والزهد في الدّنيا، فكلّ واحد ينفع بغير ما ينفع به الآخر، فالأحسن والأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعة من الأكابر المشهورين على رأس كلّ مائة سنة، يجدِّدون للناس دينهم، ويحفظونه عليهم في أقطار الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>