للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(عن أبي هريرة أنّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقال: ليس بيني وبينه نبيّ) أوَّل الحديث عند أحمد: "الأنبياء إخوة لعلات، أمّهاتهم شتّى ودينهم واحد، وانّي أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنّه لم يكن بيني وبينه نبيّ".

(وإنّه نازل) قال القرطبي في التذكرة: ذهب قوم إلى أنَّ بنزول عيسى يرتفع التكليف لئلَّا يكون رسولًا إلى أهل ذلك الزمان، يأمرهم عن الله وينهاهم، وهذا مَرْدود بقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، وبقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا نبيّ بعدي" وغير ذلك من الأخبار، وإذا كان كذلك، فلا يجوز أن يتوهَّم أنّ عيسى عليه السلام ينزل بشريعة متجدّدة غير شريعة نبيّنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل إذا نزل فإنّه يكون يومئذ من أتباع محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما أخبر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث قال لعمر: "لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلّا اتباعي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعيسى عليه السَّلام إنّما ينزل مقرّرًا لهذه الشريعة ومجدّدًا لها، إذ هي آخر الشرائع، ومحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخر الرسل، فينزل حكمًا مقسطًا، وإذا صار حكمًا فإنّه لا سلطان يومئذ للمسلمين ولا إمام ولا قاضي ولا مفتي غيره، وقد قبض الله العلم وخلا الناس منه، فينزل وقد علم بأمر الله تعالى في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم بين الناس والعمل به في نفسه، فيجتمع المؤمنون عند ذلك إليه ويحكّمونه على أنفسهم، إذ لا أحد يصلح لذلك غيره.

فإن قيل: فما الحكمة في نزوله في ذلك الوقت دون غيره؟

فالجواب عنه من ثلاث أوجه:

أحدها: يحتمل أن يكون ذلك لأن اليهود يدّعون أنَّهم قتلوه، وقد ضرب الله عليهم الذلَّة فلم تقم لهم راية ولا كان لهم في بقعة من بقاع الأرض سلطان ولا قوَّة ولا شوكة، ولا يزالون كذلك حتى تقرب السَّاعة، فيظهر الدجّال وتبايعه (١) اليهود فيكونون يومئذ جنده مقدرين أنّهم ينتقمون به من المسلمين، فإذا صار أمرهم إلى هذا أنزل الله تعالى الذي عندهم أنَّهم قد قتلوه، وأبرزه لهم ولغيرهم من المنافقين والمخالفين حيًّا، ونصره على


(١) في ج: "وتتابعه".

<<  <  ج: ص:  >  >>