فلمَّا سمع منه قول الدخّ زبره وقال (اخسأ فلن تعدو قدرك) يريد أنَّ ذلك شيء اطّلع عليه الشيطان، فألقاه إليه وأجراه على لسانه، وليس ذلك من قبل الوحي السماوي إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين يوحى إليهم علم الغيب، ولا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم ويصيبون بنور قلوبهم، وإنَّما كانت له تارات يصيب في بعض ويخطئ في بعض وذلك معنى قوله:(يأتيني صادق وكاذب) فقال له عند ذلك: (قد خلط عليك).
والجملة من أمره أنَّه كان فتنة امتحن الله به عباده المؤمنين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة، وقد امتحن قوم موسى عليه السلام في زمانه بالعجل، فافتتن به قوم وهلكوا، ونجا من هداه الله وعصمه منهم.
وقد اختلفت الرّوايات في أمره وفيما كان من شأنه بعد كبره، فروي أنَّه قد تاب عن ذلك القول ثمَّ إنَّه مات بالمدينة، وإنَّهم لمَّا أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس وقيل لهم "اشهدوا".
(وعن جابر قال: فقدنا ابن صيَّاد يوم الحرَّة) وهذا خلاف رواية من روى أنَّه مات بالمدينة. انتهى.
وقال القرطبي في التذكرة: الصَّحيح أن ابن صياد هو الدجّال لحلف جابر وابن عمر أنَّ ابن صيّاد الدجّال، وقد استدلّ من قال إنّ الدجّال ليس ابن صيّاد بحديث الجسَّاسة وما كان في معناه، والصَّحيح خلافه، ولا يبعد أن يكون بالجزيرة ذلك الوقت ويكون بين أظهر الصحابة في وقت آخر إلى أن فقدوه يوم الحرّة. انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: ويؤيّده ما أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن حسَّان بن عبد الرَّحمن عن أبيه قال: لما افتتحنا أصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهود فرسخ، فكنَّا نأتيها فنمتار منها، فأتيتها يومًا فإذا اليهود يزفّون ويضربون فسألت صديقًا لي منهم، فقال: مَلكنا الذي نستفتح به على العرب يدخل، فبتّ عنده على سطح، فصليت الغداة فلمَّا طلعت الشمس إذا الوهج من قبل العسكر، فنظرت فإذا رجل عليه قبّة من ريحان