للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"حجّ مبرور". وذكر الماوردى في كتاب الحجّ أنّ الطواف أفضل من الصلاة، وفي كتاب الصيام أنّ الصوم أفضل أعمال القرب. وحكى بعضهم قولًا أنّه أفضل من الصّلاة، وقيل: (إنّ الصّلاة) (١) بمكّة أفضل والصوم بالمدينة أفضل. وأجاب بعضهم عن اختلاف الأحاديث في ذلك، بأنّها تختلف باختلاف السائلين، ومن هو في مثل حالهم، فمن الناس من تكون الصّلاة في حقّه أفضل، ومنهم من يكون الصيام في حقّه أفضل، ومنهم من يكون الجهاد في حقّه أفضل، ومنهم من يكون الذّكر في حقّه أفضل، وكذلك سائر الأعمال. وقد تحمل الأعمال المسؤول عنها في (هذا) (٢) الحديث على الصّلاة، ويكون المراد السؤال عن أيّ أنواع الصلاة أفضل، فأجيب بأنّ أفضلها الصّلاة الواقعة أوّل الوقت، ولا يكون فيه تفضيل الصلاة على غيرها من الأعمال مطلقًا، ويؤيّده أنّ ابن أبي شيبة روى هذا الحديث في مصنّفه بلفظ: "أيّ الصّلاة أفضل". انتهى.

وقال البيهقي في شعب الإيمان: حكى الحليمي عن أبي بكر محمد بن علي الشاشي الإمام في جملة ما خرّج هذه الأخبار عليه، أنّ القائل قد يقول خير الأشياء كذا لا يريد تفضيله في نفسه على جميع الأشياء، ولكن على أنّه خيرها في حال دون حال، ولواحد دون آخر، كما قد يتضرّر واحد بكلام في غير موضعه فيقول ما شيء أفضل من السكوت، أي حيث لا يحتاج إلى الكلام، ثمّ قد يتضرّر بالسّكوت مرّة فيقول ما شيء أفضل للمؤمن أن يتكلّم بما يعرفه، فيجوز هذا الإطلاق كما جاز الأوّل، ويقول القائل فلان أعقل الناس وأفضلهم، يريد أنّه من أعقلهم وأفضلهم، وروي: "خيركم خيركم لأهله" فلم يكن ذلك على معنى أنّ من أحسن معاشرة أهله فهو أفضل الناس، وقيل: "شراركم عزّابكم" أي: من شراركم لأنّه وإن كان صالحًا فهو معرض نفسه للشرّ غير آمن من الفتنة، وإلّا فالفسّاق شرّ منهم، وفي العزّاب صالحون، وروي: "ما شيء أحقّ بطول


(١) في ب: "الصلاة".
(٢) غير موجود في أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>