للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ومن يعصهما فإنّه لا يضرّ إلَّا نفسه) وقال الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام: من خصائصه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه كان يجوز له الجمع في الضمير بينه وبين ربّه تعالى، كقوله: "أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممِّا سواهما"، وقوله: "من يعصهما فإنَّه لا يضرّ إلَّا نفسه" وذلك ممتنع على غيره، وكذلك أنكر على الخطيب، قال: وإنَّما امتنع من غيره دونه لأنّ غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية، بخلافه هو فإنَّ منصبه لا يتطرَّق إليه إيهام ذلك.

قال العلائي في كتاب الفصول المفيدة في الواو المزيدة: قيل في الجمع بين هذه الأحاديث وجوه؛ أحدها: أن هذا خاصّ بالنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنّه يعطي مقام الرّبوبية حقّه وأن لا يتوهم فيه تسوية له بما عداه أصلًا بخلاف غيره من الأمَّة، فإنّه مظنّة التسوية عند الإطلاق والجمع (في) (١) الضمائر بين اسم الله وغيره، فلهذا جاء الإتيان بالجمع بين الاسمين بضمير واحد في كلام النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثين المشار إليهما، وفي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضًا: "من كان الله ورسوله أحبَّ إليه ممِّا سواهما" وغير ذلك، وأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (٢) ذلك الخطيب بالإفراد كيلا يوهم كلامه التسوية، وهو مثل الحديث المتقدّم من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقولوا: ما شاء الله وشئت، قولوا: ما شاء الله ثمّ شئت" وهذا يرد عليه أن حديث ابن مسعود المتقدِّم فيه تعليم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَّته تلك الخطبة ليقولوها عند الحاجة وفيه: "ومن يعصهما"، فيدل على عدم الخصوصية به، إلَّا أن يقال يؤخذ من مجموع الحديثين أن يقولوا في خطبة الحاجة ومن يعصي الله ورسوله، لا بجمع (٣) ألفاظها، وفيه نظر. وثانيها: أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث أنكر على ذلك الخطيب كان هناك من يتوهَّم منه التسوية بين المقامين عند الجمع بين الاسمين بضمير واحد، فمنع من ذلك، وحيث لم يكن هناك من يلتبس عليه أتى بضمير الجمع، وهذا لعلَّه أقرب من الذي قبله. وثالثها: أنَّ ذلك المنع لم يكن على وجه التحتّم، بدليل الأحاديث


(١) في أ: "بين".
(٢) ما بين المعكوفين غير موجود في أ.
(٣) في ج: "بجميع".

<<  <  ج: ص:  >  >>