وفيه دليل على أن أهل الشرب الأعلى مُقدّمون على من هو أسفل منهم , لإحرازهم السَّبق , وأنه ليس للأعلى أن يحبسه عن الأسفل إذا كان قد أخذ حاجته منه.
وقد ذهب بعضهم في معنى ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم , مِن قوله الآخِر بعد الأول إلى أنه نَسَخ الحكم الأول بحكمه الآخِر , وقد كان له في الأصل الحكم بأيهما شاء , إلا أنه قدّم الأخفّ والأسهل أخذا بالمُسامحة , وإيثارا لحُسن الجِوار , فلمّا رأى الأنصاري يجهل موضع حقّه , نسخ الأول بالآخر حين رآه أصلح , وفي الزجر له أبلغ.
وقال بعضهم: إنما كان القول الأول من رسول الله , صلى الله عليه وسلم , على وجه المشورة للزُّبير , وعلى سبيل المُسامحة لجاره ببعض حقّه , دون أن يكون ذلك حكما منه عليه , فلمّا خالفه الأنصاري استقصى للزبير حقّه وأمره باستيفائه منه. وإلى نحوٍ من هذا أشار أبو عُبَيد.
وفيه دليل على أن للإمام أن يعفو عن التعزير , كما له أن يُقيمه على من وَجَب عليه.
وقد قيل: أن عقوبته قد وقعت في ماله , وكانت العقوبات قد تقع بعضها إذ ذاك في الأموال , كقوله صلى الله عليه وسلم في