الحكام قبل أن يستشهد كانت شهادته هدرا لا توجب حكما، وقد يحتمل ذلك وجها آخر، وهو الشهادة على المغيب من أمر الخلق، فيشهد على قوم أنهم في النار، ولقوم آخرين بغير ذلك، على مذاهب أصحاب الأهواء في مثل ذلك، وليس هذا، (وقد روي عن)، النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(خير الشهداء من يأتي بشهادته قبل أن يسألها)، وليس هذا بمخالف للحديث الأول، وإنما وجه الحديث، ومعناه: أنه لا يزال مستعدا لأدائها، إذ هي أمانة عنده، فهو يتعرض لها أبدا متى يقيمها، ويؤدي الحق فيها.
وقد قيل: إنه إنما جاء في الرجل تكون عنده الشهادة، وقد نسيت صاحب الحق فيذكره بها، خروجا من الأمانة فيها، وقد يموت الرجل، فيترك أطفالا ولهم على الناس حقوق، ولا علم للوصي بها، فتجيء من عنده الشهادة فيخبرهم بذلك، ويبذل شهادته لهم، فيحيا بذلك حقهم ولا يتوى مالهم، فإنما حمد بذل الشهادة قبل المسألة في مثل هذه المواضع.