وقوله: يرثى لسعد بن خولة، أن مات بمكة، فإنما كره له ذلك لأن مكة دار هجروها لله عز وجل، فأحبوا أن تكون حياتهم ووفاتهم بغيرها من بقاع الأرض لئلا يكون ذلك منهم عودا فيما تركوه لله عز وجل، وقد ينظر كثير من الناس في مثل هذا الموضع تُربتَه، كما ينظر في حياته لموضع إقامته، وقد جرت سنة الدين بحفظ شعار القرب على الأموات، كما جاء في الشهداء أنهم لا يُغسَّلون، ويدفنون بثيابهم ودمائهم، وكالمحرم إذا مات لا يخمر رأسه ولا يقرب طيبا، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا فقال:(اللهم لا تجعل منايانا بمكة)، فلأجل ذلك رثى لسعد بن خولة أن مات بمكة. وفيه دليل على كراهة نقل الموتى من بلد إلى بلد، ولو كان ذلك جائزا لأمر بنقله إلى دار مهاجره، إذ قد رثى له حين أدركته المنية بمكة، فدل تركه ذلك على كراهته له.