والمعنى أن المؤمن لم يتعبد بالصوم فقط حتى إذا أمعن فيه واجتهد كان قد قضى حق التعبد كله، وإنما تعبد بأنواع من العمل كالجهاد والحج ونحوهما، فإذا استفرغ جهده في الصوم، فبلغ به حد غور العين، وكلال البدن، انقطعت قوته، وبطلت سائر أبواب العبادة، فأمره بالاقتصاد في الصوم ليستبقي بعض القوة لسائر الأعمال.
وقوله:(لا صام من صام الدهر) يكون بمعنى الدعاء عليه، وقد تكون أيضا (لا) بمعنى (لم) كقوله {فلا صدق ولا صلى}، وكقول أمية:
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما
وقوله عند ذكر داود (وكان لا يفر إذا لاقى) يؤيد ما قلناه، يريد أنه كان لا يستنفد وسعه الصوم، وإنما كان يصوم يوما ويفطر يوما، استبقاء لقوته من أجل الجهاد لئلا يضعف، فإنه كان لا يفر إذا لاقى.