للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يُحِبُّونَ، آمنين من كل ما يخافونه في الدنيا، ويحذرونه من الموت والأسقام والأوجاع والآلام، قال عَلِي بنُ أبِي طالب رضي اللَّه عنه (١): "نَسُوا المَوْتَ، فَصَفا لهم العَيْشُ"، ونصب "آمِنِينَ" على الحال.

قوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ}؛ يعني: فِي الجنة {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} نصب لأنه استثناء ليس من الأول؛ يعني: سوى الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا، قال الفراء والزجاج (٢): {إلا} بمعنى "سِوَى"، كقوله: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} (٣)؛ أي: سِوَى ما سَلَفَ، وقيل (٤): {إلا} بمعنى "بَعْدَ"، وقيل (٥): هو استثناء منقطع، وهو الأحسن، وقال ابن قتيبة (٦): إنما استثنى الموتة الأولى -وهي فِي الدنيا- من موت الجنة؛ لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطفِ اللَّهِ وقدرتهِ إلى أسباب من الجنة، يُلَقَّوْنَ الرَّوْحَ والرَّيْحانَ، ويُرَوْنَ مَنازِلَهُمْ من الجنة، وتُفَتَّحُ


(١) ينظر: شفاء الصدور ورقة ٧/ ب.
(٢) معانِي القرآن للفراء ٣/ ٤٤، معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٤٢٨.
(٣) النساء ٢٢.
(٤) قاله الطبري، وأنكر على من جعل {إلا} بمعنى "سِوَى". جامع البيان ٢٥/ ١٧٨ - ١٧٩، قال السمين الحلبي: "اختاره الطبري، وأباه الجمهور؛ لأن "إلّا" بمعنى "بَعْدَ" لَمْ يَثْبُتْ". الدر المصون ٦/ ١١٩.
(٥) قاله النحاس في إعراب القرآن ٤/ ١٣٧، ومعاني القرآن ٦/ ٤١٧، وهذا ما ذكره المؤلف أوَّلًا، قال الأنباري: "استثناء منقطع وتقديره: لَكِنْ قَدْ ذاقُوا المَوْتةَ الأُولَى في الدنيا، والبصريون يقدرون {إلا} في الاستثناء المنقطع بـ "لَكِنْ"، والكوفيون يقدرونه بـ "سِوَى". البيان للأنباري ٢/ ٣٦٢، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٢٩٢، الفريد للهمداني ٤/ ٢٧٧، الدر المصون ٦/ ١١٩.
(٦) تأويل مشكل القرآن ص ٧٨ - ٧٩ باختلاف في بعض ألفاظه.

<<  <  ج: ص:  >  >>