للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما يقدم الأفضل؟ فالجواب عنه أن نقول: إنما أخَّرَ السابقَ ليكون أقرب إلى الحسنات والثواب، كما قَدَّمَ الصوامعَ والبِيَعَ فِي سورة الحج (١) على المساجد التي هي أفضل بقاع الأرض؛ لتكونَ الصوامعُ أقْرَبَ إلى الهَدْمِ والخَرابِ، وتكونَ المساجدُ أقْرَبَ إلى ذِكْرِ اللَّهِ تعالى.

ومنهم من قال: إنما فعل ذلك لأنّ الملوك إذا أرادوا الجمع بين أشياءَ بالذِّكْرِ قَدَّمُوا الأدْنَى على الأفضل، كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢)، وقال أبو بكر الوَرّاقُ الترمذيُّ (٣): إنما رَتَّبَهُم بهذا الترتيب على مَقامات الناس؛ لأن أحوال العبد ثلاثٌ: معصيةٌ وغفلةٌ، ثم توبةٌ، ثم قُرْبةٌ، فإذا عَصَى دخل في حَيِّزِ الظالمين، وإذا تاب دخل فِي جملة المُقْتَصِدِينَ، وإذا صَحَّت التوبةُ، وكَثُرَت العبادةُ دَخَلَ في أعداد السابقين (٤)، وفيه أجوبةٌ كثيرة أعرضنا عنها طَلَبًا للاختصار.

فصْلٌ

عن أبِي الدرداء قال: سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ


(١) الآية ٤٠، وينظر: ص ٨٣.
(٢) الأنعام ١٦٥، وقد جاءت الآية في الأصل: "إن ربك لشديد العقاب وإنه لغفور رحيم".
(٣) هو محمد بن عمر الترمذي، مؤدب الأولياء، صوفي، ولد بِتِرْمِذَ، وأقام بِبَلْخٍ، وصَحِبَ أحمد بن خَضْرَويهِ البلخي، توفي بعد سنة (٢٤٠ هـ)، له تصانيف في الرياضيات. [معجم المؤلفين ١١/ ٩٧].
(٤) انتهى ما نقله المؤلف مختصرًا من الكشف والبيان ٨/ ١٠٧ - ١٠٨، وينظر: عين المعانِي ورقة ١٠٨/ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>