للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلٌ

عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "إنّ وَحْشِيًّا قاتِلَ حَمْزةَ (١) -رضي اللَّه عنه- كتب إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنِّي أريد أن أُسلم، ولكنْ منَعَني من الإسلام آيةٌ من القرآنِ أُنزِلت عليك، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}، وإنّي قد فعلتُ هذه الأشياءَ كلَّها، فهل لي من توبة؟ فنزلت هذه الآية: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}، فكتب بذلك النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى وَحْشي، فكتب وَحْشيٌّ إليه: إنّ في الآية لَشرطًا، وهو العمل الصالح، فلا أدري: أأنا أقدِرُ على العمل الصالح أم لا؟ فنزل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (٢)، فكتب بذلك إلى وَحْشي، فكتب وَحْشيٌ إليه: إنّ في الآية شرطًا، فلا أدري: أيشاء أن يغفر لي أم لا؟ فنزل قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (٣)، فكتب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك إلى وَحْشي، فلم يجدْ في الآية شرطًا، فقَدِم المدينةَ فأسلم" (٤).


(١) وَحْشِيُّ بن حرب، أبو دسمة الحبشي، مولى بني نوفل، صحابي من أبطال الموالي في الجاهلية، قَتَلَ حمزةَ بن عبد المطلب يوم أُحُدٍ، ثم أسلم وشهد اليرموك، وتوفِّي بحمص سنة (٢٥ هـ). [الإصابة ٦/ ٤٧٠، تهذيب التهذيب ١١/ ٩٩، الأعلام ٨/ ١١١].
(٢) النساء ٤٨، ١١٦.
(٣) الزمر ٥٣.
(٤) رواه الطبراني في المعجم الكبير ١١/ ١٥٧، ١٥٨، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٧/ ١٠٠، ١٠١ كتاب التفسير: تفسير سورة الزمر، ١٠/ ٢١٤، ٢١٥ كتاب التوبة: باب في قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>