للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الغِنَى، و {دَرَجَاتٍ} في موضع نصبٍ، مفعولٌ ثانٍ حُذِفَتْ منه "عَلَى" (١)؛ والمعنى: فَضَّلْنا بعضهم على بعض في الرزق: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}؛ أي: لِيُسَخَّرَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، ويَسْتَخْدِمَ الأغنياءُ بأموالهم الفقراءَ؛ لِيَلْتَئِمَ قِوامُ أمْرِ العالَمِ بِمالِ الأغنياءِ وعَمَلِ الفقراءِ (٢)، وكل مَنْ عَمِلَ لِرَجُلٍ عَمَلًا فقد سُخِّرَ له، سواء كان بِأُجْرةٍ أو بغير أُجْرةٍ {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ} يعني الجنة {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)} في الدنيا من الأموال، يعني الكفار.

[فصل]

عن عبد اللَّه بن مسعود قال: سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن اللَّه قَسَمَ بينكم أخلاقَكُمْ كما قَسَمَ بينكم أرزاقَكُمْ، وإن اللَّه يعطي الدنيا مَنْ أحَبَّ ومَنْ لَمْ يُحِبَّ، ولا يُعْطِي الدِّينَ إلّا مَنْ أحَبَّ، فمن أعطاه الدِّينَ فقد أحَبَّهُ" (٣).

ثم ذَكَّرَهُم اللَّهُ بِهَوانِ الدنيا عليه، فقال تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني مِلّةً واحدة مجتمعين على الكفر، وقيل: في طلب الدنيا واختيارِها على العُقْبَى، قال الفراء (٤): {أنْ} في موضع رفع.

وقوله: {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} اللام في {لَجَعَلْنَا} جواب {لَوْلَا}، وهي لام التمني، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو


(١) قاله النحاس في إعراب القرآن ٤/ ١٠٧.
(٢) قاله الواحدي في الوسيط ٤/ ٧١، وقِوامُ الشَّيءِ: عِمادُهُ وما لا يستقيم إلّا به. اللسان: قوم.
(٣) رواه الإمام أحمد في المسند ١/ ٣٨٧، والحاكم في المستدرك ١/ ٣٣، ٣٤ كتاب الإيمان، ٢/ ٤٤٧ كتاب التفسير: سورة الزخرف، ٤/ ١٦٥ كتاب البر والصلة: باب "إن اللَّه لا يعطي الإيمانَ إلّا مَنْ يُحْبُّ".
(٤) معانِي القرآن ٣/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>