للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: قالوا: يا رسول اللَّه: أيَنْشَرِحُ الصَّدْرُ؟ قال: "نَعَمْ"، قالوا: يا رسول اللَّه: وَهَلْ لِذَلِكَ عَلَامةٌ يُعْرَفُ بِها؟ قال: "نَعَمْ، التَّجافِي عَنْ دارِ الغُرُورِ، والإنابةُ إلَى دارِ الخُلُودِ، والاسْتِعْدادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ" (١)، أشارَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَى ذَهابِ الشَّواغِلِ التي تَصُدُّ عن حَقِيقةِ الإيمانِ، وذلك أن صِدْقَ الإيمانِ باللَّه وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ تُوجِبُ لِلإنْسانِ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيا والرَّغْبةَ فِي الآخِرةِ والاسْتِعْدادَ لِلْمَوْتِ، فَإنَّهُ بابُ الآخِرةِ.

ثم ذَكَرَ مِنَّتَهُ على نَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال تعالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)} يعني: إذا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي، فَجَعَلْتُ ذِكْرَكَ مَقْرُونًا بذِكْرِي، قال قتادة (٢): وَرَفَعَ اللَّه ذِكْرَهُ في الدنيا والآخِرةِ، فليس خَطِيبٌ يَخْطُبُ، ولا مُتَشَهِّدٌ، ولا صاحِبُ صَلاةٍ إلّا يُنادِي بِها: أشْهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلّا اللَّه، وَأشْهَدُ أنَّ محمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وكذلك رَفَعَ ذِكْرَهُ في الأذانِ، وفي هذا يقول حَسّانُ بنُ ثابِتٍ في مَدْحِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-:

٥٢٦ - أغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوّةِ خاتِمٌ... مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ وَيُشْهَدُ

وَضَمَّ الإلَهُ اسْمَ النَّبِىِّ مَعَ اسْمِهِ... إذا قالَ فِي الخَمْسِ المُؤَذِّنُ: أشْهَدُ

وَشَقَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ... فَذُو العَرْشَ مَحْمُودٌ، وَهَذا مُحَمَّدُ (٣)


(١) رواه الحاكم بسنده عن ابن مسعود في المستدرك ٤/ ٣١١ كتاب الرقاق، وينظر: جامع البيان ٨/ ٣٦، ٣٧، الوسيط ٤/ ٥١٥، تفسير القرطبي ٧/ ٨١، ١٥/ ٢٤٧، ٢٠/ ١٠٤، الدر المنثور ٣/ ٤٣، ٤٤، ٥/ ٣٢٥.
(٢) ينظر قوله في جامع البيان ٣٠/ ٢٩٦، الكشف والبيان ١٠/ ٢٣٣، الوسيط ٤/ ٥١٦، زاد المسير ٩/ ١٦٣.
(٣) الأبيات من الطويل لِحَسّانَ يمدح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورواية الثالث في ديوانه: "مِنْ اسْمِهِ لِيُعِزَّهُ". =

<<  <  ج: ص:  >  >>