للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صبر أولو العزم من الرسل قبلك على أذى قومهم، فوصفهم بالعزم لصبرهم ورزانتهم.

[فصل]

ويدل على صحة هذا القول ما رُوِيَ عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عائشة: إن الدنيا لا تنبغي لِمُحَمَّدٍ ولا لآل محمد، يا عائشة: إن اللَّه تعالى لَمْ يَرْضَ من أُولي العَزْمِ إلّا بالصبر على مكروهها، والصبر عن مَحْبُوبِها، ولَمْ يَرْضَ إلّا إذا كَلَّفَنِي ما كَلَّفَهُمْ، فقال عَزَّ وَجَلَّ: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}، وإنِّي -واللَّهِ- لا بُدَّ لِي من طاعته، وإنِّي واللَّهِ لأصْبِرَنَّ كما صَبَرُوا وَأجْهَدَنَّ، ولا قوة إلّا باللَّه" (١).

وعن كعبِ الأحبارِ قال: في جنة عَدْنٍ مدينة من لؤلؤة بيضاء، تَكِلُّ عنها الأبصارُ، لم يَرَها نَبِيٌّ مرسلٌ ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، أعَدَّها اللَّهُ لأُولي العزم من الرسل والشهداء والمُجاهِدِينَ؛ لأنهم فُضِّلُوا على الناس عقلا وعلما وإنابة وَلُبًّا (٢).

وفِي أُولِي العَزْمِ اختلاف كثير بَيْنَ العلماء، يطول شرحه هاهنا.

قوله: {وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} العذابَ، فكأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضَجِرَ بعضَ الضَّجَرِ حين لَمْ يُؤْمِنْ قومُهُ، وأحَبَّ أن يَنْزِلَ بهم العذابُ، فأُمِرَ بالصبر وترك الاستعجال.

ثُمَّ خَبَّرَ بأن العذاب منهم قريب بقوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ}، يعني: من العذاب فِي الآخرة {لَمْ يَلْبَثُوا} فِي الدنيا، ولَمْ يَرَوْها {إِلَّا سَاعَةً مِنْ


(١) ينظر: الوسيط ٤/ ١١٧، تفسير ابن كثير ٤/ ١٨٥، الدر المنثور ٦/ ٤٥، الجامع الصغير ١/ ٦٥٨، كنز العمال ٣/ ١٨٧.
(٢) ينظر: الكشف والبيان ٩/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>