للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَمَّ الكلامُ عند قوله: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، ثم ابتدأ فقال: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥)} وهذا ابتداءُ إخبارٍ من اللَّه، وليس بمتصلٍ بما قبله من الكلام الذي نُودِيَ به إبراهيمُ عليه السّلام، والمعنى: إنّا كما ذكرنا من العفو عن ذبح ولده نجزي من أحسن في طاعتنا، قال مقاتلٌ: جزاه اللَّه بإحسانه في طاعته العفوَ عن ذبح ابنه، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)} الاختبار الظاهر فيما يُوجِبُ النعمةَ والنقمةَ؛ ولذلك قيل للنقمة: بلاءٌ، وللمحنة: بلاءٌ، لأنها سُمِّيَتْ باسم سببها المُؤَدِّي إليها كما قيل لأسباب الموت: هذا الموت بعينه.

فصْلٌ

قال مجاهد: لَمّا أمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إبراهيمَ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذبح ابنه إسحاق عليه السّلام قال: يا أبت: خُذْ بناصيتِي، واجلس بين كتفي فلا أُوذِيكَ إذا وجدتُ حَرَّ السكين، فلما أمَرَّ وَضَحَ السكينِ على حَلْقِهِ انقلبت، قال له: مالَكَ يا أبَتِ؟ قال: انقلبتْ، قال فاطْعَنْ بها طَعْنًا، قال: فَفَعَلَ فانْثَنَتْ، فَعَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ منه الصِّدْقَ، ففداه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، فذلك قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)} (١).


(١) اختلف العلماء في الذبيح، فقيل: إسحاق، وعليه الأكثرون، وقيل: إسماعيل، وهو الأصح وعليه المحققون، بدليل ما رواه الحاكم من أن ابن عباس قال: إن الذبيح إسماعيل [المستدرك ٢/ ٤٣٠]، وما رواه الحاكم عن ابن عمر قال: "وَفَدَيْناهُ بذِبْحٍ عَظِيمٍ" قال: "إسماعيل عند ذَبْحِ إبراهيم الكبشَ" [المستدرك ٢/ ٥٥٤؛ ٥٥٩]، والدلَيل على ذلك أيضًا: أن اللَّه، تعالى، قال بعد هذه القصة: "وَبَشرْناهُ بإسْحاقَ نَبيًّا مِنَ الصّالِحِينَ"، وقد صَحَّ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "أنا ابنُ الذبيحين"، وقال الأَصمعي: سَألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح: إسحاقُ أم إسماعيلُ؟ فقال: يا أصْمَعِيُّ: أين ذهب عنك عَقْلُكَ؟ ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان بمكة إسماعيلُ، وهو بَنَى البَيْتَ مع أبيه، والمَنْحَرُ بمكة لا شك فيه". اهـ بتصرف من الكشف والبيان ٨/ ١٥٣، وينظر: مجمع البيان ٨/ ٣٢٢، ٣٢٣، عين المعانِي ١١٢/ أ، تفسير القرطبي ١٥/ ٩٩، تفسير ابن كثير ٤/ ١٦، البداية والنهاية ١/ ١٨١؛ ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>