للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَصَصٌ

رُوِيَ أن داود عليه السّلام لَمّا أصاب الخطيئة فَزِعَ إلى العُبّادِ، فأتى راهبًا في قُلّةِ (١) جَبَلٍ، فناداه بصوتٍ عالٍ، فلم يُجِبْهُ، فلما أكْثَرَ عليه الصوتَ قال: مَنْ هذا الذي يُنادِي؟ قال: أنا داود نَبِي اللَّه، قال: صاحب القصور الحسنة والخيل المُسَوَّمةِ والنساء والشهوات؟ لئن نِلْتَ الجَنّةَ بهذا لأنْتَ أنْتَ، فقال داود: فمن أنت؟ قال: أنا راهبٌ راغبٌ مُرَغِّبٌ، قال: فمن أنِيسُكَ؟ ومن جليسك؟ قال: اصْعَدْ تَراهُ إنْ كُنْتَ تُرِيدُ ذلك، قال: فَتَخَلَّلَ داودُ الجبالَ حتى صار إلى القُلّةِ، فإذا هو بمَلِكٍ مُسَجًّى، فقال: هذا جَلِيسُكَ وَأنِيسُكَ؟ قال: نعم، قال: مَنْ هُوَ؟ قال: مَلِكٌ قِصَّتُهُ مَكْتُوبةٌ فِي لَوْحِ نحاسٍ عند رأسه، قال: فَقَرَأ الكتابَ، فإذا فيه مكتوبٌ: أنا فلانُ ابنُ فلانٍ مَلِكُ الأمْلاكِ، عِشْتُ ألْفَ عامٍ، وبَنَيْتُ ألْفَ مَدِينةٍ، وهَزَمْتُ ألْفَ عَسْكَرٍ، وأحْصَنْتُ ألْفَ امْرَأةٍ، وافْتَضَضْتُ ألْفَ عَذْراءَ، فبينما أنا فِي مُلْكِي أتانِي مَلَكُ الموت، فأخرجني مما أنا فيه، فهذا الترابُ فِراشِي، والدُّودُ جِيرانِي، قال: فَخَرَّ داوُدُ عليه السّلام مَغْشِيًّا عليه" (٢).

وعن ابن عُمَرَ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كان الناس يَعُودُونَ داوُدَ عليه السّلام، يَظُنُّونَ أنّ به مَرَضًا، وما به مَرَضٌ إلا الخوفُ والحَياءُ من اللَّه" (٣)، ورُوِيَ عن داود عليه السّلام أنه ما رَفَعَ رَأْسَهُ بعد الخطيئةِ إلَى السماء حَياءً (٤).


(١) القُلّةُ: أعْلَى الجَبَلِ، وقُلّةُ كُلِّ شَيءٍ أعْلاهُ. اللسان: قلل.
(٢) ينظر: الكشف والبيان ٨/ ١٩٥ - ١٩٦.
(٣) رواه الثعلبي في الكشف والبيان ٨/ ١٩٦، وينظر: تاريخ دمشق ٥١/ ٢٣، وقال: "غريب جدًا"، الجامع الصغير ٢/ ٢٦٧، كنز العمال ١١/ ٤٩٣.
(٤) رواه الثعلبي في الكشف والبيان ٨/ ١٩٧، وينظر: المحرر الوجيز ٤/ ٥٠١، الدر المنثور للسيوطي ٥/ ٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>