للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابُنَا} يعني ديوان الحَفَظةِ، وقيل: اللوح المحفوظ {يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ}؛ أي: يشهد عليكم بالحق، يعني: يُبَيِّنُهُ بَيانًا شافِيًا، حتى كأنه ناطق {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ} يعني: من اللوح المحفوظ {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)} قبل أن تعملوه.

ومعنى قوله: {نَسْتَنْسِخُ}؛ أي: نُثْبِتُ، وقيل (١): نأخذ نُسْخةً، وذلك أن المَلَكَيْنِ يرفعان عمل الإنسان صَغِيرَهُ وكَبِيرَهُ، فَيُثْبِتُ اللَّهُ منه ما كان له ثواب أو عقاب، ويَطَّرِحُ منه اللَّغْوَ نحو: هَلُمَّ وتَعالَ واذْهَبْ (٢)، وفي الآية دلالة على أن الكتاب يقوم مقام النطق؛ لقوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} (٣).

[فصل]

عن ابن عُمَرَ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أوَّلُ شَيءٍ خَلَقَ اللَّهُ تعالى القَلَمُ من نُورٍ مسيرة خمسمائة عام، واللَّوْحُ من نور مسيرة خمسمائة عام، فقال للقلم: اجْرِ، فَجَرَى بما هو كائن إلى يوم القيامة، بِرِّها وفاجِرِها، ورَطْبها ويابسِها"، ثم قرأ هذه الآية: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، قال: "وهل يكون النَّسْخُ إلا من شيء قد فُرِغَ منه"؟ (٤).

ثم ذَكَرَ اللَّهُ تعالى الفريقَيْنِ من المؤمنين والكافرين، فقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ


(١) قاله ابن عباس، ينظر: معانِي القرآن للنحاس ٦/ ٤٣٣، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص ١٤١، تفسير القرطبي ١٦/ ١٧٥.
(٢) من أول قوله: "وذلك أن المَلَكَيْنِ يرفعان. . . ". قاله الفراء في معاني القرآن ٣/ ٤٨، ٤٩.
(٣) قاله أبو بكر النقاش في شفاء الصدور ورقة ١٢/ ب.
(٤) رواه ابن أبِي عاصم في كتاب السنة ص ٤٩، ٥٠ من غير ذكر "مسيرة خمسمائة عام"، وينظر: الكشف والبيان ٨/ ٣٦٧، تاريخ دمشق ٦/ ٥٢، الدر المنثور ٦/ ٣٦، كنز العمال ٦/ ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>