للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه أقسام، ثم ذكر جواب القسم، فقال تعالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)} يعني آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ، خَلَقَهُم اللَّه تعالَى في أحْسَنِ صُورة وَأعْدَلِ قامةٍ، مُتَزَيِّنًا بِالعَقْلِ، مُؤَدِّيًا لِلأمْرِ، مُهَذبًا بِالتمْيِيزِ، مَدِيدَ القامةِ، يَتَناوَلُ مَأْكُولَهُ بِيَدِهِ، وَخَلَقَ كُلَّ ذِي رُوحٍ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ (١)، ومعنى التقويم: التعديل، يُقال: قَوَّمْتُهُ فاسْتَقامَ.

{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥)} يعني: رَدَدْناهُ بَعْدَ الشبابِ وَحُسْنِ الصُّورةِ إلَى أرْذَلِ العُمُرِ حِينَ يَنْقُصُ عُمُرُهُ، وَيَضْعُفُ بَدَنُهُ، وَيَذْهَبُ عَقْلُهُ، وهو نكرة تَعُمُّ الجِنسَ، كما يُقال: فُلَان أكْرَمُ قائِمٍ، فإذا عَرفْتَهُ قلتَ: القائِمِينَ، وفي مصحف عبد اللَّه: {أَسْفَلَ السّافِلِينَ} (٢) بالألف واللام، و {أَسْفَلَ} نصب على الظرف (٣)، و {سَافِلِينَ} خفض بالإضافة، ومعناه: إلَى أرْذَلِ العُمُرِ والْهَرَمِ.

[فصل]

عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المَوْلُودُ حَتَّى يَبْلُغَ الحِنْثَ ما عَمِلَ مِن حَسَنةٍ كُتِبَتْ لِوالِدَيْهِ، فَإنْ عَمِلَ سَيِّئةً لَمْ تُكْتَبْ عليه ولا على والِدَيْهِ، فإذا بَلَغَ الحِنْثَ، وَجَرَى عليه القَلَمُ، أمَرَ اللَّه المَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ معه يَحْفَظانِهِ وَيُسَدِّدانِهِ، فإذا بَلَغَ أربعين سَنةً فِي الإسلام أمَّنَهُ اللَّه تعالَى من


(١) قاله أبو بكر بن طاهر، ينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٢٤٠، الوسيط ٤/ ٥٢٤، تفسير القرطبي ٢٠/ ١١٤.
(٢) ينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٢٤٠، الوسيط ٤/ ٥٢٥، تفسير القرطبي ٢٠/ ١١٥.
(٣) ويجوز أن يكون حالًا من الهاء في قوله: "رَدَدْناهُ"، ويجوز أن يكون صفةً لمكان محذوف؛ أي: مَكانا أسْفَلَ سافِلِينَ، ينظر: إعراب ثلاثين سورة ص ١٣٠، الفريد ٤/ ٦٩٦، الدر المصون ٦/ ٥٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>