للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلٌ

رَوَى محمدُ بن كعب القُرَظِيُّ (١)، أنه قال: قرأتُ في التوراة -أو قال: في صُحفِ إبراهيمَ الخليلِ- فوجدتُ فيها: يقولُ اللَّه تعالى: "يا ابن آدم: ما أَنْصَفْتَنِي، خَلَقْتُكَ ولم تَكُ شيئًا، خَلَقْتُكَ بَشَرًا سَوِيًّا، خلقتُك من سُلالةٍ من طين، فجعلتُكَ نُطفةً في قرارٍ مَكِين، ثم خلقتُ النُّطفةَ عَلَقةً، فخَلقتُ العَلَقةَ مُضغةً، فخَلَقتُ المُضغةَ عظامًا، فكَسَوْتُ العظامَ لحمًا، ثم أنشأتُكَ خلقًا آخَرَ، يا ابنَ آدم: هل يَقدِرُ على ذلك غيري؟ ثم خَفَّفْتُ ثِقْلَكَ على أُمِّكَ حتَّى لا تتَبَرَّمَ بكَ ولا تتأذَّى، ثم أوحَيْتُ إلى الأمعاءِ أنِ اتَّسِعِي، وإلى الجوارح أن تَفَرَّقِي، فاتَّسَعَت الأمعاءُ من بعدِ ضيقها، وتفرَّقت الجوارحُ من بعد تَشْبيكِها، ثم أوحيتُ إلى المَلَكِ المُوَكَّلِ بالأرحام أن يُخرِجَكَ من بطن أُمِّكَ، فاستَخْلَصْتُكَ على ريشةٍ من جناحِه، فاطَّلَعْتُ عليكَ فإذا أنتَ خَلْقٌ ضعيف، ليس لك سِنٌّ تَقْطَعُ، ولا ضِرْسٌ يَطحَن، فاستخلصَتُ لك في صدر أُمِّك عِرْقًا يُدِرُّ لَبَنًا باردًا في الصَّيف حارًّا في الشّتاء، واستَخلصتُه لك من بين لحم وجلدٍ ودم وعروق، ثم قذفتُ لك في قلبِ والدتكَ الرحمةَ وفي قلبِ أبيك التَّحَنُّنَ، فهما يَكِدّانِ ويَجْهَدانِ ويُرَبِّيانِكَ ويُغَذِّيانِكَ، ولا يَنامانِ حَتَّى يُنَوِّماكَ (٢)، ابنَ آدمَ! أنا فعلتُ ذلك بك، لا لشيءٍ استأهلتَهُ به منِّي، أو لحاجةٍ استعَنْتُ بكَ على قضائها، ابنَ آدم: فلمّا قَطَعَ سِنُّكَ، وطَحَنَ ضِرْسُكَ أطعمتُكَ فاكهةَ الصيف في أوانها


(١) محمد بن كعب بن سليم بن أسد، أبو حمزة القرظي المدنِي من حلفاء الأوس، تابعي صالح، كان أبوه من سبي قريظة، سكن الكوفة ثم المدينة، روى عن عَلِيٍّ والعباس وغيرهما، كان ثقة عالمًا كثير الحديث ورعًا، توفي بالمدينة سنة (١١٨ هـ). [تهذيب التهذيب ٩/ ٣٧٣، ٣٧٤، سير أعلام النبلاء ٥/ ٦٥ - ٦٨].
(٢) في الأصل: "ينومانك".

<<  <  ج: ص:  >  >>