للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

قال وَهْبُ بن مُنبِّهٍ (١): "إن جبريل عليه السّلام واقِفٌ بين يدي اللَّه -عزّ وجلّ- تُرْعَدُ فَرائِصُهُ، يَخْلُقُ اللَّهُ تعالى من كل رِعْدةٍ مائةَ ألْفِ مَلَكٍ، والملائكةُ صُفُوفٌ بين يدي اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، مُنَكِّسُو رُؤُوسِهِمْ، فإذا أذِنَ اللَّهُ لهم في الكلام قالوا: لا إله إلا أنت، وهو قوله: {صَوَابًا}، يعني: لا إله إلا اللَّه.

{ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} هو يعني يوم القيامة، {ذَلِكَ} مبتدأ به، و {الْيَوْمُ} خبره، و {الْحَقُّ} نعته، والحق هو الذي لا ظُلْمَ فيه {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (٣٩)} يعني: مَرْجِعًا يَؤُوبُ فيه إلَى خَيْرٍ، ويرجع إليه بالأعمال الصالحة.

ثم خَوَّفَ كُفّارَ مكة، فقال تعالى: {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} يعني العذاب في الآخرة، وَكُلُّ ما هو آتٍ قَرِيبٌ، ونصب {عَذَابًا} بِنَزْعِ حرف الصفة، تقديره: بعذاب قريب (٢)، {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} من خيرٍ وشَرٍّ، {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (٤٠)} فلم أُبْعَثْ وَلَمْ أُحاسَبْ، وذلك يومَ القيامة، "يَحْشُرُ اللَّهُ تعالى الخَلَائِقَ والدَّوابَّ والوَحْشَ والبَهائِمَ، ثم يَجْعَلُ القِصاصَ بَيْنَ الدَّوابِّ حتى تَقْتَصَّ الجَمّاءُ من القَرْناءِ فَتَنْطَحُها، فإذا فَرَغَ اللَّهُ تعالى من القِصاصِ بَيْنَها قال لها الجَبّارُ: كُونِي تُرابًا، فعند ذلك يقول الكافرُ: {يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} (٣).


(١) ينظر: الكشف والبيان ١٠/ ١١٩، مجمع البيان ١٠/ ٢٤٨، تفسير القرطبي ١٧/ ٢، ١٩/ ١٨٧.
(٢) الفعل "أنْذَرَ" يتعدى بنفسه إلَى مفعولين، قال الفارابِيُّ: "وَأنْذَرَهُ الشَّيْءَ؛ أي: خَوَّفَهُ إيّاهُ". ديوان الأدب ٢/ ٣٠٠، وقال الأزهريُّ: "يقال: أنْذَرْتُ القَوْمَ مَسِيرَ عَدُوِّهِمْ إليهم فنَذِرُوا، أي: أعْلَمْتُهُمْ ذلك فنَذِرُوا؛ أي: عَلِمُوا فَتَحَرَّزُوا". التهذيب ١٤/ ٤٢١، وعلى هذا فلا معنى لقول الجبلي هنا: إن "عَذابًا" منصوب بنَزْعِ حرف الصفة، وإنما هو مفعول ثانٍ.
(٣) حديث القِصاصِ بين الدَّوابِّ رواه الحاكم بسنده عن أبي هريرة وعبد اللَّه بن عمرو في =

<<  <  ج: ص:  >  >>