للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومفعولُ الإنزال محذوفٌ، التقدير: ويُنَزِّلُ من السماء من جبالِ بَرَدٍ فيها بَرَدًا، فاستغنَى عن ذكرِ المفعول للدِّلالة عليه، فـ {مِنْ} الأولى: للغاية؛ لأنّ ابتداءَ الإنزال من السماء، والثانيةُ: للتبعيض؛ لأن البَرَدَ بَعْضُ الجِبالِ التِي في السماء، والثالثةُ: لتبيين الجِنس؛ لأنّ جنسَ تلك الجبال جنسُ البَرَد، فالأُولَيانِ متعلِّقتان بـ {يُنَزِّلُ}، والثالثة متعلِّقةٌ باستقرارٍ محذوف (١).

وقوله تعالى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ}؛ أي: ضوء برق السحاب {يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (٤٣)} من شدة ضوئه وبرقه، والسنا: الضوء وهو مقصور، والسَّناءُ ممدودًا: الرِّفْعةُ (٢).

وقوله: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} يعني: اختلافَهما بالمجيء والذهاب، يأتي بالليل، ويذهب بالنهار، ويأتي بالنهار، ويذهب بالليل، سحابًا مرةً، وصَحْوًا مرةً، وأحيانًا مطرًا، وأحيانًا شمسًا، وحرًّا مرةً، وبردًا مرةً، وضوءًا مرةً، وظُلمةً مرةً، كلُّ ذلك في يوم واحدٍ وفي ليلةٍ واحدة، يقلِّبُ اللَّه الليلَ والنهار ضروبًا. {إِنَّ فِي ذَلِكَ} الذي ذكره من صُنعِه {لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (٤٤)} يعني: لَدِلالةً لأهل العقول والبصائر في أمر اللَّه تعالى، وفي قدرته وتوحيده.

[فصل]

عن أبي هريرةَ، قال: قال اللَّه تعالى: "يؤذْيني ابنُ آدم، يَسُبُّ الدهرَ وأنا


(١) من أول قوله: "فـ "مِن" الأولى للغاية. . . إلخ" قاله طاهر بن أحمد في شرح الجمل ١/ ١٣٩، وينظر في هذه المسألة: إعراب القرآن ٣/ ١٤٢، المسائل المشكلة ص ٢٤١ - ٢٤٤، مشكل إعراب القرآن ٢/ ١٢٤، الكشاف ٣/ ٧٠، ٧١، التبيان ص ٩٧٤، الفريد للهمداني ٣/ ٦١٠، البحر المحيط ٦/ ٤٢٦، الدر المصون ٥/ ٢٢٥.
(٢) ينظر: المقصور والممدود للفراء ص ٣٧، المقصور والممدود لابن ولاد ص ٥٣، ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>