للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

رُوِيَ في الأخبار المشهورة المَأْثُورةِ، أن اللَّه تعالَى لَمّا أراد أن يَخْلُقَ السماواتِ والأرضَ خلق جوهرةً خضراءَ مثلَ السماوات السبع والأرَضينَ السبع، فنظر إليها نظرةَ هَيْبة، فصارت ماءً، ثم نظر إلى ذلك الماء فَغَلَى، فارتفع منه زَبَدٌ ودخانٌ، فخلق من الزبد الأرض، فأول ما ظهر على وجه الأرض: مكةُ، فدَحا اللَّهُ الأرض طبقًا واحدًا، وفتقها وصيَّرها سبعًا، وخلق من الدخان السماءَ، وذلك قوله تعالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} (١) ثم فتقها بعد أن كانت طبقةً واحدة، فصيَّرها سبع سماوات، وذلك قوله تعالَى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}؛ أي: أفلا يؤمنون بعد هذا البيان؟

قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} الخلد: اسمٌ من الخلود، وهو البقاء الدائم.

قوله: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (٣٤) أي: أفهُم الخالدونَ إن مِتَّ؟ كقول الشاعر:

٦ - رَفَوْني وَقالُوا: يا خُويلِدُ لم تُرَعْ... فَقُلْتُ -وَأنكَرْتُ (٢) الوُجُوهَ-: هُمُ هُمُ (٣)


(١) فصلت ١١.
(٢) في الأصل: "وأنكرتني".
(٣) البيت من الطويل لأبي خِراشِ الهذلِي، وهو مطلع قصيدة ذكر فيها تفلته من أعدائه حين كمنوا له في الطريق، ويروى: "لا تُرَعْ".
اللغة: رَفَوْنِي: سَكَّنُونِي من قولهم: رَفَوْتُ الرَّجُلَ: إِذا سَكَّنْتَهُ من الرعب، خويلد: اسم أبي خِراشٍ وهو خويلد بن مرة أحد بني قِرْدِ بنِ عمرو بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل، لا تُرَعْ: لا تَخَفْ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>