للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِسْرَارًا (٩)} يعني: دَعَوْتُهُمْ على كل حال سِرًّا وعَلَانِيةً، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: {ثُمَّ إنِّيَ} بفتح الياء (١)، وأسكنها الباقون {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} يعني: من الشِّرْكِ {إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠)} لمن استغفره وتاب إليه من الذنوب، وأصل الغُفْرانِ السَّتْرُ، معناه: يستركم إنه كان سَتّارًا.

{يُرْسِلِ السَّمَاءَ} جواب الأمر {عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١)} كَثِيرَ الدَّرِّ مُتَتابِعًا، وهو التَّحَلُّبُ بالمَطَرِ، ولَمْ تَثْبُتْ فيه الهاءُ؛ لأن "مِفْعالًا" للمؤنث بغير هاء يكون إذا كان جارِيًا على الفعل نحو: امْرَأةٌ مِذْكارٌ ومِئْناثٌ (٢)، وهو منصوب على الحال، وأراد بالسماء هاهنا المَطَرَ، وجمعه أسْمِيةٌ (٣).

[فصل]

عن الشَّعْبِيِّ قال: "قَحَطَ المَطَرُ على عهد عُمَرَ -رضي اللَّه عنه-، فَصَعِدَ المِنْبَرَ يَسْتَسْقِي للناس، فَلَمْ يَزِدْ على الاستغفار حَتَّى نَزَلَ، فَقِيلَ له: يا أمير


(١) وهي أيضًا قراءة أبِي جعفر المدنِيِّ، ينظر: تفسير القرطبي ١٨/ ٣٠١، إتحاف فضلاء البشر ٢/ ٥٦٣.
(٢) قال سيبويه: "وزعم الخليل، رحمه اللَّه، أن "السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بهِ" كقولك: "مُعَضِّلٌ "لِلْقَطاةِ، وكقولك: "مُرْضِعٌ" لِلَّتِي بها الرِّضاعُ، وأما المُنْفَطِرةُ فيجيء عَلى العَمَلِ كقولك: "مُنْشَقّةٌ"، وكقولك: "مُرْضِعةٌ" لِلَّتِي تُرْضِعُ". الكتاب ٢/ ٤٧، وينظر: المذكر والمؤنث للمبرد ص ٩٤، ١١١، إعراب القرآن للنحاس ٥/ ٣٨، ٣٩، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤١١.
(٣) قال السِّجِسْتانِيُّ: "والسماء التي تُظِلُّ الأرْضَ مؤنثة، وكذلك السماء إذا أرَدْتَ المَطَرَ، يقال: أصابَتْنا سَماءٌ مُرْوِيةٌ، وأسْمِيةٌ كَثِيرةٌ، وما زلنا نَكْلأُ السماءَ؛ أي: المَطَرَ". المذكر والمؤنث ص ١٨١، وقال المبرد: "فالمستعمل فِي المَبْنِيّةِ سَماواتٌ وسَمايا، وفي سَماء المَطَرِ: أسْمِيةٌ وسُمِيٌّ". المذكر والمؤنث ص ١٠٩، وينظر: المذكر والمؤنث لابن التستري ص ٨٣، شفاء الصدور ورقة ١٦٨/ أ، الصحاح ٦/ ٢٣٨١، ٢٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>