للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (٥)} هما ظرفا زمان، والعامل فيهما {دَعَوْتُ}، {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (٦)} يعني: نِفارًا وإدْبارًا عنه، وتَباعُدًا من الإيمان، وهو مفعولٌ ثانٍ لـ {يَزِدْهُمْ}، قرأ الكوفيون: "دُعائِي" بإسكان الياء، وحركها الباقون (١).

{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ} يريد: إلى طاعتك والإيمانِ بِكَ {لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} كي لا يسمعوا صوتِي ودعائي {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} يعني: غَطَّوْا بِها وُجُوهَهُمْ حَتَّى لا يَرَوْنِي {وَأَصَرُّوا}؛ أي: أقاموا على الكفر، {وَاسْتَكْبَرُوا} يعني: يَكَبَّرُوا على اللَّه وعلى دِينِهِ الذي جاءهم به {اسْتِكْبَارًا (٧)} يعنِي تَكَبُّرًا، و {كُلَّمَا} نصب على الظرف، والعامل فيه فيه {جَعَلُوا}.

قوله: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (٨) أي: مُعْلِنًا لهم بالدعاء بأعلى صوتِي، وهو نصب على الحال (٢)، وقيل (٣): على المصدر، {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ


= وذلك أنه لو قال: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ لَعَمَّ هذا اللَّفْظُ ما تَقَدَّمَ من الذنوب وما تَأخَّرَ عن إيمانهم، والإسلام إنما يَجُبُّ ما قبله، فهي بَعْضٌ من ذنوبهم". المحرر الوجيز ٥/ ٣٧٢، وينظر أيضًا: الفريد للهمدانِيِّ ٤/ ٥٣٣، البحر المحيط ٨/ ٣٣٢، الدر المصون ٦/ ٣٨٢.
(١) قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ونافع وأبو جعفر: "دُعائِيَ" بفتح الياء، وقرأ الباقون بإسكانها، ورَوَى عباسُ بن منصور من أبِي عمرو أنه كان يُسَكِّنُ الياءَ، ينظر: السبعة ص ٦٥٢، الإتحاف ٢/ ٥٦٣.
(٢) قال الزجاج: "وجِهارًا: مصدر موضوع موضع الحال، والمعنى: دَعَوْتُهُمْ مُجاهِرًا بالدعاء". معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٢٢٨ - ٢٢٩، وبه قال مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤١١.
(٣) يعني أنه مصدر من معنى الفعل دَعا، وهو قول النحاس في إعراب القرآن ٥/ ٣٨، وقال الزمخشري: {وجِهارًا} منصوب بـ {دَعَوْتُهُمْ} نَصْبَ المصدر؛ لأن الدعاء أحَدُ نَوْعَيْهِ الجِهارُ، فَنُصِبَ به نَصْبَ القُرْفُصاءَ بـ "قَعَدَ" لكونها أحَدَ أنواع القُعُودِ، أو أراد بـ {دَعَوْتُهُمْ}: جاهَرْتُهُمْ". الكشاف ٤/ ١٦٢، وينظر أيضًا: الفريد للهمدانِيِّ ٤/ ٥٣٤، البحر المحيط ٨/ ٣٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>