للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦)} يعني المستهزئين بدين اللَّه وكتابِه ورسولِه والمؤمنين به، قال قتادة في هذه الآية (١): لَمْ يَكْفِهِ أنه ضَيَّعَ طاعةَ اللَّه تعالى حتى جعل يَسْخَرَ بأهل طاعته، يعني: يستهزئ بهم.

فصْلٌ

رُوِيَ عن أبِي صالح فِي معنى هذه الآية قال: "كان رَجُلٌ عالِمٌ فِي بني إسرائيل ترك عِلْمَهُ وأخَذَ فِي الفسق، وكان عنده مال فأتاه إبليس فقال له: لك عمرٌ طويلٌ فَتَمَتَّعْ فِي الدنيا ثم تُبْ، فأخذ فِي الفسق، وأنْفَقَ مالَهُ فِي الفجور، فأتاه مَلَكُ الموتِ فقال له: من أنت؟ قال: أنا مَلَكُ الموت جئت لأقبض رُوحَكَ، فقال: يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّه، ذهب عُمْرِي فِي طاعة الشيطان، وأسْخَطْتُ رَبِّي، فنَدِمَ حين لا ينفعه الندم، فأنزل اللَّه تعالى خَبَرَهُ فِي القرآن" (٢).

قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} يعني: رَجْعةً إلى الدنيا {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨)} فِي نصب قوله: {فَأَكُونَ} وجهان (٣)، أحدهما: على جواب "لَوْ"، والثانِي: على الرَّدِّ على موضع الكَرّةِ، وتوجيهُ الكَرّةِ فِي المعنى: لَوْ أنْ أكُرَّ، كقول الشاعر:


(١) ينظر قوله في الكشف والبيان ٨/ ٢٤٧.
(٢) ينظر: الكشف والبيان ٨/ ٢٤٧، الكشاف ٣/ ٤٠٤، عين المعانِي ورقة ١١٥/ أ، تفسير القرطبي ١٥/ ٢٧٢.
(٣) ينظر: الكتاب ٣/ ٢٨ وما بعدها في "باب الفاء"، وهذان الوجهان قالهما الفراء في المعانِي ٢/ ٤٢٢، والنحاس في إعراب القرآن ٤/ ١٨، وينظر: الفريد للهمداني ٤/ ١٩٦، البحر المحيط ٧/ ٤١٨، الدر المصون ٦/ ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>