للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - اعتراضاتٌ للجِبْلِيِّ على قراءاتٍ صحيحة:

ولكنّنا نرى الجِبْليَّ -في مواضعَ أُخَرَ- يتابع الفريقَ الذي يعترض على بعض القراءات الصّحيحة أو يردُّها أو يضعِّفها، فنراه يحكم أحيانًا على قراءةٍ صحيحة بالضعف أو الشّذوذ أو الردّ، وغالبًا ما يكون في موقفه هذا مُتابِعًا لأحد العلماء السابقين، كالفَرّاء والمبرّد والطَّبري والنَّحاس وأبي عَلِيٍّ الفارسي والثعلبي وغيرهم.

ومن أمثلة ذلك ما يلي:

١ - في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (١)، قال الجِبْلي (٢): "وقرأ ابنُ عامر وأبو بكر، عن عاصم: {نُنْجِي} بنونٍ واحدة وتشديد الجيم، وجميع النَّحْويِّين حَكَموا على هذه القراءة بالغلط وأنها لحنٌ، ثم ذكر الفَرّاءُ لها وجهًا فقال (٣): أَضمَر المصدر في "نُجِّيَ" فنَوى به الرَّفعَ، ونصب {الْمُؤْمِنِينَ}، كقولك: ضُرِبَ الضربُ زيدًا، ثم تقول: ضُرِب زيدًا، على إضمارِ المصدر، وأنشد ابنُ قُتيبةَ حجةً لهذه القراءة (٤):

ولوْ وَلَدَتْ قُفَيْرةُ جَزوَ كلبٍ... لَسُبَّ بذلك الجَزوِ الكِلابا

قال أبو علىٍّ الفارسي (٥): هذا إنّما يجوز في ضرورة الشِّعر، وراوِي هذه القراءةِ عن عاصمٍ غالطٌ في الرواية، فإنه قرأ: {نُنْجِي} بنونَيْن كما روى حفصٌ عنه، ولكن


(١) الأنبياء ٨٨.
(٢) البستان ١/ ٢٥٤.
(٣) معاني القرآن ٢/ ٢١٥.
(٤) تأويل مشكل القرآن ص ٥٥.
(٥) الحجة للفارسي ٣/ ١٦٠، ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>