للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ثَعْلَبٌ (١): معنى قوله: {رَهَقًا} يعني: خَسارًا، وأصل الرَّهَقِ غِشْيانُ الشَّيْءِ، يقال: رَهِقَتْنا الشَّمْسُ: إذا قَرُبَتْ، وراهَقَ الغُلَامُ: إذا دَنا من الاحتلام.

[فصل]

عن كَرْدَمِ بن أبِي السّائِبِ الأنصاريِّ (٢) قال: خَرَجْتُ مَعَ أبِي إلى المدينة، وذلك أوَّلَ ما ذُكِرَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَكّةَ، فَآوانا المَبِيتُ إلى راعِي غَنَمٍ، فلما انتصف الليل جاء ذئب، وَأخَذَ حَمَلًا من الغَنَمِ، فَوَثَبَ الراعي، فنادى: يا عامِرَ الوادي! جارَكَ، فَنادَى مُنادٍ لا نَراهُ، يقول: يا سِرْحانُ (٣) أرْسِلْهُ، فإذا بالحَمَلِ يَشْتَدُّ حتى دخل في الغَنَمِ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ، فأنزل اللَّه تعالى على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} " (٤)، وذلك أنَّهُمْ كانوا يزدادون بِهَذا التَّعَوُّذِ طُغْيانًا، يقولون: سُدْنا الإنْسَ والجِنَّ.

قوله: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا} يعني الجن {كَمَا ظَنَنْتُمْ} يا معشر الكفار من الإنس {أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (٧)} بعد موته {وَأَنَّا} يعني الجن {لَمَسْنَا السَّمَاءَ} هو من الالتِماسِ، وليس هو من اللَّمْسِ، {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا} من الملائكة


(١) ينظر قوله في شفاء الصدور ورقة ١٧١/ ب، الكشف والبيان ١٠/ ٥١، عين المعانِي ورقة ١٣٨/ أ.
(٢) ويُقال: كردم بن أبِي الشنابِلِ، له صحبة، سكن المدينة، ذكره ابن حبان في التابعين، وقال: "يَرْوِي المراسيلَ". [الثقات ٣/ ٣٥٥، ٥/ ٣٤١، أسد الغابة ٤/ ٢٣٥، الإصابة ٥/ ٤٣١ - ٤٣٢].
(٣) السِّرْحانُ: الذِّئْبُ، وجمعه سَراحٍ وسَراحِينُ. اللسان: سرح.
(٤) رواه الطبرانِيُّ فِي المعجم الكبير ١٩/ ١٩١، ١٩٢، والعقيلي فِي الضعفاء الكبير ١/ ١٠١، وينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٥٠، ٥١، الوسيط ٤/ ٣٦٤، تاريخ دمشق ٢٥/ ٣٣٢، مجمع الزوائد ٧/ ١٢٩ كتاب التفسير: سورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>