للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين! ما سَمِعْناكَ استسقيتَ، فقال: لقد طلبت الغيث بِمَجادِيحِ السماء (١) التي يُسْتَنْزَلُ بِها القَطْرُ، ثم قرأ: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} " (٢).

قوله: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} يعني: يُكَثِّرْ أمْوالَكُمْ وأولادَكُمْ، {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)} جاريةً، وهذه الأفعال كلها مجزومة بالعطف على جواب الأمر؛ وذلك أن قوم نوح لَمّا كَذَّبُوهُ زمانًا طويلًا، حَبَسَ اللَّهُ تعالى عنهم القَطْرَ، وأعْقَمَ أرْحامَ نسائهم أربعين سنة، فَهَلَكَتْ أموالهم ومواشيهم، فوعدهم اللَّه -تعالى إنْ آمَنُوا- أنْ يُمِدَّهُم بالأموال والبنين والبساتين والأنهار.

قوله: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣) أي: لا تخافون للَّه عَظَمة، ولا تخشون له عقابًا، ولا ترجون منه ثوابًا بتوقيركم إيّاهُ، فالرجاء هاهنا بمعنى الخوف، والوَقارُ: العَظَمةُ، اسم من التَّوْقَيرِ وهو التعظيم، وهو منصوب على التمييز، قاله السجاوندي صاحب العين (٣).

ومعنى الآية: ما لَكُمْ لا تعلمون حَقَّ عَظَمَتِهِ فَتُوَحِّدُوهُ وتُطِيعُوهُ، وقد جَعَلَ لكم فِي أنفسكم آيةً تَدُلُّ على توحيده، مِنْ خَلْقِهِ إيّاكُمْ، ومِنْ خَلْقِ


(١) المجاديح: جمع مِجْدَحٍ، وهو نَجْمٌ من النجوم كانت العرب تزعم أنها تُمْطَرُ به كالأنواء، فجعل عُمَرُ، رحمه اللَّه، الاستسقاءَ بالاستغفار كاستسقاء العرب بالمجاديح، ولَمْ يُرِد الاستسقاء بالأنواء، وإنما تكلم بما تعرفه العرب، وأراد إبْطالَ الأنواء وتكذيبَها، ينظر: غريب الحديث للهروي ٣/ ٢٥٩: ٢٦١، النهاية لابن الأثير ١/ ٢٣٦، لسان العرب: جدح.
(٢) رواه عبد الرَّزّاقِ في مُصَنَّفِهِ ٣/ ٨٧ كتاب الصلاة: باب الاستسقاء، والبيهقي في السنن الكبرى ٣/ ٣٥١، ٣٥٢ كتاب صلاة الاستسقاء: باب ما يستحب من كثرة الاستغفار في خطبة الاستسقاء، وينظر: جامع البيان ٢٩/ ١١٦.
(٣) عين المعانِي ورقة ١٣٧/ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>