للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: كانت السماواتُ مرتَّقةً طبقةً واحدةً ففتقها فجعلها سبعَ سماوات، وكذلك الأرَضُونَ كانت مرتَّقةً طبقًا واحدًا ففَتقَها فجعلها سبعَ أرَضِين، وقيل: كانت السماء معَ الأرض جميعًا، ففتقهما اللَّه بالهواء الذي جُعِل بينهما، وقيل: كانت السماء رَتْقاءَ لا تمطر ففتقها بالمطر، وكانت الأرض رَتْقاءَ لا تنبت ففتقها بالنبات، نظيره قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} (١).

وأصل الرَّتق: السدُّ، ومنه قيل للمرأة التي فرجُها ملتحم: رتقاءُ، وأصل الفَتْق: الفتح، وإنما وحَّد الرتقَ وهو من نعت السماواتِ والأرض، لأنه مصدرٌ وُضع موضعَ الاسم، مثلَ: الزَّوْر والصوم والفطر والعدل ونحوِها، والمعنى: كانتا ذواتي رتق (٢).

قوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} يعني: أنّ كلَّ شيءٍ خُلِقَ من الماء، نظيره قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} (٣).

"ولَمْ يصرَّح اللَّه تعالى بذكر الخبز والطعام لقلّته عنده، فصرح بذكر الماء لأنه شرفُه، إذْ كان كل شيءٍ خَلَقَهُ -من الحيوان والفاكهة وغير ذلك- حياتُهُ بالماء" (٤)، وخَفَضَ حَيًّا على النعت لـ "شيء".


(١) الطارق ١١، ١٢.
(٢) قاله أبو عبيدة والزجاج، ينظر: مجاز القرآن ٢/ ٣٧، معاني القرآن وإعرابه ٣/ ٣٩٠، وينظر أيضًا: إعراب القرآن للنحاس ٣/ ٦٩، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٨٣، والزَّوْرُ: مصدر بمعنى الزائر، والصَّوْمُ مصدر بمعنى الصائم، والفِطْرُ مصدر بمعنى المُفْطِرِ، والعَدْلُ مصدر بمعنى العادل، والمؤلف هنا اختار رأي البصريين في أن المصدر المنعوت به إنما هو على تقدير مضاف.
(٣) النور ٤٥.
(٤) من أول قوله: "ولم يصرح اللَّه" حكاه أبو عمر الزاهد عن ابن الأعرابِي في ياقوتة الصراط ص ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>