للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم وَعَدَهُ اليُسْرَ والرَّخاءَ بَعْدَ الشِّدّةِ، وذلك أنه كان -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَكّةَ في شِدّةٍ، فقال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٦)} والعُسْرُ: الشِّدّةُ والضِّيقُ والفَقْرُ وَشِدّةُ الفاقةِ والمَعاشِ، واليُسْرُ: الغِنَى وَحُسْنُ المَعاشِ.

والفاء فِي الأوَّلِ إشارةٌ إلَى اليُسْرِ بِفَتْحِ المَدائِنِ، حيث عَيَّرَهُ أهْلُ مَكّةَ بالفقر، والثانِي إلَى اليُسْرِ فِي الآخِرةِ، وهو ابتداء، والدليل على ابتدائه تَعَرِّيهِ مِنْ فاءٍ أو واو، والفاء لا تدخل إلّا في عطف أو جواب، وقولك: إنَّ مَعَ الفارِسِ سَيْفًا -مرتين- لا يُوجِبُ تَعَدُّدَ السَّيْفِ، لأن بناء التحذير على التكرار، ولا فاءَ فيه، وظاهر التلاوة عُسْرانِ ويُسْرانِ، إلا أنَّ المُرادَ عُسْرٌ واحد؛ لأنه مذكور بلفظ التعريف، واليُسْرُ مذكور بلفظ التنكير، وكل واحد منهما غير الآخر (١).

قال الفَرّاءُ (٢): والعرب إذا ذَكَرَتْ نِكِرةً، ثم أعادَتْها بنَكِرةٍ مِثْلِها صارَتا اثنتين، كقولك: إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأنْفِقْ دِرْهَما، فالثانِي غَيْرُ الأَوَّلِ، فإذا أعادتها معرفةً فَهِيَ هِيَ، كقولك: إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأنْفِقِ الدِّرْهَمَ، فالثاني هو الأوَّلُ.


= التخريج: ديوان حسان ص ٣٣٨، والأبيات كلها أو بعضها في المصادر التالية: المحب والمحبوب للسري الرفاء ٤/ ١٧، شفاء الصدور ورقة ١٢٦/ ب، الجليس الصالح الكافِي ٢/ ٢٠٤، الكشف والبيان ١٠/ ٢٣٣، الوسيط ٤/ ٥١٧، مجمع البيان ١٠/ ٣٨٩، عين المعانِي ورقة ١٤٦/ أ، تفسير القرطبي ١/ ١٣٣، ٢٠/ ١٠٦، البحر المحيط ٨/ ٤٨٤، البداية والنهاية ٦/ ٣١٧، تفسير ابن كثير ٤/ ٥٦١، خزانة الأدب ١/ ٢٢٣، ٢٢٥، ٢٢٧، فتح القدير ٥/ ٤٦٢.
(١) قاله الثعلبي في الكشف والبيان ١٠/ ٢٣٤، وينظر: التبيان للعكبري ص ١٢٩٣، الفريد للهمدانِيِّ ٤/ ٦٩٢، عين المعانِي ورقة ١٤٦/ أ.
(٢) لم أقف على هذا القول في معانِي القرآن، وإنما حكاه الأزهري عن سَلَمةَ عن الفراء في تهذيب اللغة ٢/ ٨٠، وينظر أيضًا: الوسيط ٤/ ٥١٨، زاد المسير ٩/ ١٦٤، اللسان: عسر، التاج: عسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>