للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجوب، أي: قَدْ فَعَلْنا ذلك (١)، يَدُلُّ على هذا قوله في النَّسَقِ عليه: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢)} يعني: حَطَطْنا عَنْكَ إثْمَكَ الذي سَلَفَ منك في الجاهلية.

والوِزْرُ: الثِّقْلُ الذي كان قبل الرسالة، فَغَفَرَ اللَّه لَهُ بقوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (٢)، والوِزْرُ: الإثْمُ، وأصله الحِمْلُ الثَّقِيلُ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَحْمِلُهُ الرَّجُلُ عَلَى ظَهْرِهِ فهو وِزْرٌ، ومنه سُمِّيَ الوَزِيرُ وَزِيرًا لأنه يَحْمِلُ أثْقالَ صاحِبِهِ، وهو مَحَطُّ الأثْقالِ وَمُسْتَوْدَعُ الأعْباءِ (٣).

ثم وَصَفَ ذلك الوِزْرَ بقوله: {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) أي: أثْقَلَهُ وَأوْهَنَهُ حَتَّى سُمِعَ نَقِيضُهُ؛ أي: صَوْتُهُ (٤)، وهذا مَثَلٌ، يُقال: أنْقَضَ ظَهْرَكَ: أثْقَلَهُ حَتَّى جَعَلَهُ نِقْضًا، والنِّقْضُ: البَعِيرُ المَهْزُولُ الذي أتْعَبَهُ السَّفَرُ والعَمَلُ، فنَقِضَ لَحْمُهُ فَيُقالُ له حينئذ: نِقْضٌ (٥).


(١) قاله مَكِّيٌّ في مشكله ٢/ ٤٨٢، وينظر: تفسير القرطبي ٢٠/ ١٠٥، مغني اللبيب ص ٢٥.
(٢) الفتح ٢.
(٣) قاله ثعلب في مجالسه ص ٢٢٥ - ٢٢٦، وحكاه النقاش عنه في شفاء الصدور ورقة ٢٤٩/ أ.
(٤) قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص ١٥٢، ٥٣٢، وثعلب في مجالسه ص ٢٢٥.
(٥) قال ابن السكيت: "والنِّقْضُ: البعير المهزول، وجمعه أنقاض". إصلاع المنطق ص ١٧، وقال الأزهري: "قال الليث: والنِّقْضُ والنِّقْضةُ هما الجَمَلُ والناقةُ اللَّذانِ قد هَزَلَتْهُما الأسْفارُ وَأدْبَرَتْهُما، والجميع الأنْقاضُ. . . وقال اللَّه تعالى: "وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكْ. الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَك" قال الفَرّاءُ في التفسير عن الكلبي: أثقلَ ظَهْرَكَ، قال أبو منصور: وقال نَحْوَ ذلك مُجاهِدٌ وَقَتادةُ، والأصل فيه أن الظَّهْرَ إذا أثْقَلَهُ حِمْلُهُ سُمِعَ له نَقِيضٌ أي صَوْتٌ خَفِيٌّ، وذلك عند غاية الإثْقالِ، فَأخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أنه غَفَرَ لِنَبيِّهِ أوْزارَهُ التي كانت تَراكَمَتْ على ظَهْرِهِ حتى أوْقَرَتْهُ، وأنها لو كانت أثقالًا حُمِلَتْ على ظَهرِهِ، لَسُمِعَ لَها نَقِيضٌ؛ أي: صوتٌ، وكل صوت لِمَفْصِل أو إصْبَع أو ضِلَعٍ فهو نَقِيضٌ، وقد أنْقَضَ ظَهْرُ فُلَانٍ: إذا سُمِعَ له نَقِيضٌ". تهذيب اللغة ٨/ ٣٤٤، ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>