للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنتم عليه في الجاهلية، فتُفْسِدُوا ويقتل بعضكم بعضًا، وذلك قوله تعالى: {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢)} وقرأ نافع: "عَسِيتُمْ" بكسر السين (١)، وقد مضى نظيرها في سورة البقرة (٢).

قوله تعالى: {أُولَئِكَ} يعني المنافقين {الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣)} عن الحق {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} فيعرفون ما أعَدَّ اللَّهُ لِلْمُتَمَسِّكِ بالإسلام {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)} فلا تَفْهَمُ مَواعِظَ القرآن وأحكامَهُ، يقال: تَدَبَّرْتُ الأمْرَ أي: نَظَرْتُ فِي عاقبته، والتَّدَبُّرُ: هو قَيْسُ دُبُرِ الكلام بِقَلْبِهِ لِيُنْظَرَ: هل يَخْتَلِفُ؟ ثُمَّ جُعِلَ كُلُّ تَمْيِيزٍ تَدَّبُّرًا (٣).

ومعنى الأقفال هاهنا: الطبْعُ على القلب، والأقفال استعارة لانغلاق القلب عن معرفة الإسلام والقرآن.

وفي إضافة الأقفال إلى القلوب تنبيه على أن المراد بها ما هو للقلوب بِمَنْزِلةِ الأقفال للأبواب، إذْ ليست للقلوب أقفالٌ حقيقةً (٤)، ومعنى الاستفهام فِي قوله {أَمْ} الإخبارُ أنها كذلك؛ لأن معنى "أمْ" هاهنا "بَلْ".


(١) وهي قراءة الحسن وطلحة أيضًا، ينظر: التيسير ص ٨١، النشر ٢/ ٢٣٠، الإتحاف ٢/ ٤٧٧، قال الأزهري: "أما قراءة نافع: {فَهَلْ عَسِيتُمْ} بكسر السين فهي لغة، وليست بالكثيرة الشائعة، وأهل اللغة اتفقوا على "عَسَيْتُمْ" بفتح السين، والدليل على صحتها اجتماع القراء على قوله: "عَسَى رَبُّكُمْ"، لَمْ يقرأه أحد: "عَسِيَ رَبُّكُمْ". معانِي القراءات ٢/ ٣٨٨، وذكر مثله في ١/ ٢١٤، والكسر لغة أهل الحجاز كما ذكر الفارسي في الحجة ١/ ٤٥٤.
(٢) في الآية ٢٤٦، وهي قوله تعالى: {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا}، وهي في القسم المفقود من الكتاب.
(٣) من أول قوله: "يقال: تدبرت الأمر" قاله أبو بكر السجستانِيُّ في تفسير غريب القرآن ص ١٤٣، ودُبُرُ الكلامِ: عاقِبَتُهُ وآخِرُ أمْرِهِ. اللسان: دبر.
(٤) قاله الواحدي في الوسيط ٤/ ١٢٧، وقال الزمخشري: "وأما إضافة الأقفال فلأنه يريد =

<<  <  ج: ص:  >  >>