للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم كفار أهل الكتاب الذين ارتدوا عن الإيمان بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد المعرفة به، أي: ارْتَدُّوا على أعقابهم كفارًا {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} يعني أمْرَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، تبين لهم في التوراة أنه نَبِيٌّ رَسُولٌ، ثم قال: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ}؛ أي: زَيَّنَ لهم تَرْكَ الهدى {وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥)} هذه قراءة أكثر الأئمة، وقرأ أبو عمرو والأعرج وشيبة وعاصم الجحدري: {وَأُمْلَيَ لَهُمْ} على ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ، وقرأ مجاهد وسلام (١) ويعقوب: {وَأُمْلَي لَهُمْ} بإسكان الياء (٢).

فالقراءة الأولى بمعنى: فَأمْلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لهم، والثانية تَؤُولُ إلى هذا المعنى، والثالثة بَيِّنةٌ، أخْبَرَ اللَّهُ تعالى أنه يُمْلِي لهم.

ومعنى {وَأَمْلَى لَهُمْ}؛ أي: أمْهَلَهُمْ ومَدَّ لهم في العُمُرِ؛ لِيَتَمادَوْا في طغيانهم، ولَمْ يُعاجِلْهُمْ بالعقوبة، كما قال: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (٣)، ويَحْسُنُ الوقفُ على قوله: {سَوَّلَ لَهُمْ}؛ لأنه فعل الشيطان، والإملاءُ فِعْلُ اللَّهِ، وعلى قول الحَسَنِ لا يَحْسُنُ (٤)؛ لأنه يقول في تفسيره: "وَأمْلَى لَهُمْ" مَدَّ لَهُم الشيطانُ في الأمَلِ.


(١) هو سلام بن سليمان الطويل، أبو المنذر المُزَنِيُّ القارئ النحويُّ الكوفِيُّ، ثقة جليل، أخذ القراءة عن عاصم بن أبِي النَّجُودِ وأبِي عَمْرٍو البصري، توفِّي سنة (١٧١ هـ). [غاية النهاية ١/ ٣٠٩، تهذيب الكمال ١٢/ ٢٨٨ - ٢٩١].
(٢) قرأ بالبناء للمفعول أيضًا: عيسى بن عمر وابن سيرين وأبو جعفر وابن أبِي إسحاق، وقرأ مجاهد وسلام ويعقوب والمُطَّوِّعِيُّ وابن هرمز والأعمش والجحدري: {وَأُمْلِي لَهُمْ} على فعل المتكلم. ينظر: السبعة ص ٦٠٠، ٦٠١، إعراب القراءات السبع ٢/ ٣٢٥، المحتسب ٢/ ٢٧٢، تفسير القرطبي ١٦/ ٢٤٩، البحر المحيط ٨/ ٨٣.
(٣) الأعراف الآية ١٨٣، والقلم الآية ٤٥، وينظر في معانِي هذه القراءات: معانِي القراءات ٢/ ٣٨٦، ٣٨٧، إعراب القراءات السبع ٢/ ٣٢٥، الحجة للفارسي ٣/ ٤٠٤ - ٤٠٦.
(٤) يعني الحسن البصري، فإنه يرى أن الضمير في "أمْلَى" للشيطان، ينظر: الوسيط ٤/ ١٢٧، =

<<  <  ج: ص:  >  >>