للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرَامِ} أن تطوفوا به {وَالْهَدْيَ} معطوف على الكاف والميم؛ أي: وصَدُّوا الهَدْيَ {مَعْكُوفًا} يعني: محبوسًا، يقال: عَكَفْتُهُ عن كذا عَكْفًا؛ أي: حَبَسْتُهُ، فَعَكَفَ عُكُوفًا، كما يقال: رَجَعْتُهُ رَجْعًا، فَرَجَعَ رُجُوعًا (١)، ونصب {مَعْكُوفًا} على الحال.

وقوله: {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} يعني مَنْحَرَهُ، وهو حيث يَحِلُّ نَحْرُهُ، يعني الحرم {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ} رفع إما بالابتداء وإما بفعل مضمر (٢) تقديره: ولولا ثَبَتَ رجالٌ مؤمنون {وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} يعني المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا بمكة بين الكفار {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ}؛ أي: لَمْ تعرفوهم {أَنْ تَطَئُوهُمْ} أي: بالقتل، وتقعوا بهم، يقال: وَطِئْتُ القَوْمَ: إذا أوْقَعْتَ بهم، قال الزَّجّاجُ (٣): المعنى: لولا أن تَطَؤُوا رجالًا مؤمنين ونساء مؤمنات {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ} والمَعَرّةُ: المَشَقّةُ، وأصلها من الجَرَبِ (٤).

ونصب "فتصِيبَكُمْ" عطفًا على "تَطَؤُوهُمْ" وهو الحَرْبُ، وقوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} موضعه التقديم؛ لأن التقدير: لولا أن تَطَؤُوهُمْ بغير علم {لِيُدْخِلَ اللَّهُ


(١) قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص ٤١٣، وقال الأزهري: "يقال: عَكَفْتُهُ عَكْفا فَعَكَفَ عُكُوفًا، وهو لازم وواقع، كما يقال: رَجَعْتُهُ فَرَجَعَ، إلا أن مصدر اللازم العُكُوفُ، ومصدر الواقع العَكْفُ". تهذيب اللغة ١/ ٣٢١.
(٢) البصريون يرفعونه بالابتداء، وخبره محذوف وجوبًا، والكوفيون يرفعونه بفعل مضمر، وقد سبق مثل ذلك فِي الآية ٥٣ من سورة العنكبوت ٢/ ٢١ والآية ٤٥ من سورة فصلت ٢/ ٤١٨ وفيهما اختار المؤلف مذهب الكوفيين.
(٣) معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٢٧.
(٤) قال أبو عبيدة: "مَعَرّةٌ: جِنايةٌ كَجِنايةِ العَرِّ وهو الجَرَبُ". مجاز القرآن ٢/ ٢١٧، وقال ثعلب: "أي: يصيبكم أمْرٌ تكرهونه وهو أخْذُ الدِّياتِ، والعَرُّ: الجَرَبُ". مجالس ثعلب ص ٣١٠، وينظر: شفاء الصدور ورقة ٣٥/ ب، تهذيب اللغة ١/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>