للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يغيب عنه، وهو معنى المُعْتَدِ، من قوله: {أَعْتَدْنَا} (١)، والعرب تُعاقِبُ بين التاء والدال لقرب مخرجيهما، فتقول: أعْتَدْتُ وأعْدَدْتُ، وهَرَدَ وَهَرَتَ (٢)، وَكَبِدٌ وَكَبِتٌ، قال الشاعر:

٢٧٢ - لَئِنْ كُنْتَ مِنِّي فِي العِيانِ مُغَيَّبًا... فَذِكْرُكَ عِنْدِي فِي الفُؤادِ عَتِيدُ (٣)

أي: حاضر، و"رَقِيبٌ" رفع لأنَّهُ خبر الظرف، وهو "لَدَيَّ"، و"عَتِيدٌ" نعته.

قوله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ}؛ أي: غَمْرَتُهُ وشِدَّتُهُ التي تَغْشَى الإنسانَ وتَغْلِبُ على عقله {بِالْحَقِّ} يعني: بحقيقة الموت، يريد: أنه حَقٌّ كائنٌ {ذَلِكَ} أي: ذلك الموت {مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) أي: تَفِرُّ وتَكْرَهُ وتَهْرُبُ وتَمِيلُ، وأصل الحَيْدِ المَيْلُ، يقال: حِدْتُ عن الشيء أحِيدُ حَيْدًا: إذا مِلْتَ عنه، قال طرفة:

٢٧٣ - أبا مُنْذِرٍ رُمْتَ الوَفاءَ فَهِبْتَهُ... وَحِدْتَ كَما حادَ البَعِيرُ عَنِ الدَّحْضِ (٤)


(١) كقوله تعالى: {أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا}. الكهف ١٠٢، ومعنى كلامه أن لفظ "عَتِيد" فَعِيلٌ بمعنى مُفْعَل، قال أبو عبيدة: "والعرب قد تضع "فَعِيلٌ" في معنى "مُفْعَلٍ"، وفي آية أخرى: "هَذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ"، مجازه: مُعَدٌّ". مجاز القرآن ١/ ٢٧٢، وينظر: إعراب القرآن للنحاس ٤/ ٢٢٥، وحكاه الأزهري عن الليث في تهذيب اللغة ٢/ ١٩٥.
(٢) قال ابن السكيت: "ويقال: هَرَتَ القَصّارُ الثَّوْبَ وَهَرَدَهُ: إذا خَرَّقَهُ، وكذلك يُقالُ: هَرَتَ عِرْضَهُ وَهَرَدَهُ". الإبدال لابن السكيت ص ١٠٣، وينظر: "التهذيب" ٢/ ١٩٤، اللسان: هرت، هرد.
(٣) البيت من الطويل، لَمْ أقف على قائله، وقد وجدتُ لطَرّادِ بنِ عَلِيٍّ بن عبد العزيز المعروف بالبديع الدمشقي (ت ٥٢٤ هـ) بَيْتًا يتفق معه في الصدر، وهو قوله:
لَئِنْ كُنْتَ عَنِّي فِي العِيانِ مُغَيَّبًا... فَما أنْتَ عَنْ سَمْعِي وَقَلْبِي بِغَائِبِ
التخريج: البيت الشاهد في الكشف والبيان ٩/ ١٠٠، عين المعانِي ورقة ١٢٦/ أ، تفسير القرطبي ١٧/ ١١، وبيتُ طَرّادٍ بن عَلِيٍّ في معجم الأدباء ١٢/ ٢٢.
(٤) البيت من الطويل لِطَرَفةَ يخاطب الملكَ عَمْرَو بن هِنْدٍ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>