للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابتداء وخبر {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} أراد: نُمِيتُ في الدنيا، ونُحْيِي للبعث {وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣)} بعد البعث، وهو قوله تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا} جمع سَرِيعٍ، وهو نصب على الحال، مجازه: فَيَخْرُجُونَ من قبورهم سِراعًا (١) إلى إجابة الدعي الذي دعاهم إليه {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (٤٤)} أي: جَمْعٌ علينا هَيِّنٌ أن نبعثهم بعد الموت ثم نَحْشُرُهُمْ، ليس كما ظَنَّ قَوْمُكَ يا مُحَمَّدُ، وهذا جواب لقولهم: "ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ".

ثُمَّ عَزَّى نَبيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} يعني كفار مكة من الأذى والتكذيب {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}؛ أي: بِمُسَلَّطٍ، والجَبّارُ في كلام العرب: المُتَكَبِّرُ الذي لا يُرامُ، وهو مأخوذ من جَبّارِ النَّخْلِ، وهو الذي قد ارتفع عن أن تَنالَهُ اليَدُ، والجَبّارُ: القَتّالُ الذي يَقْتُلُ على الغَضَبِ، وهو من الأضداد (٢).

وقوله: {فَذَكِّرْ} فَعِظْ يا محمد {بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)} وعذابِي في الآخرة لِمَنْ عَصانِي، وخالَفَ أمْرِي فَيَحْذَرُ المَعاصِي، وإنما يتذكر من يخشى، واللَّه أعلم، وباللَّه التوفيق.

* * *


(١) قال النحاس: "سِراعًا: نصب على الحال، قيل: من الهاء والميم، وقيل: لا يجوز الحال من الهاء والميم، لأنَّهُ لا عامِلَ فيها، ولكن التقدير: فَيَخْرُجُونَ سِراعًا". إعراب القرآن ٤/ ٢٣٤، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٢١، البيان للأنباري ٢/ ٣٨٨، الفريد للهمداني ٤/ ٣٥٨، البحر المحيط ٨/ ١٢٩.
(٢) من أول قوله: "والجبار في كلام العرب: المتكبر". قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٥٤/ ب، وأضاف النقاش: "والجَبّارُ: المُصْلِحُ لِلشَّأْنِ من: جَبَرَ العَظْمَ: إذا أصْلَحْتَهُ وَرَدَدْتَهُ إلى حاله"، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة ١١/ ٥٨، الصحاح ٢/ ٦٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>