للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقْسَمَ اللَّهُ تعالى بهذه الأشياء لِما فيها من الدلالة على صَنْعَتِهِ وقدرته، وله أن يقسم ببعضِ بَدِائِعِ خَلْقِهِ على وَجْهٍ يُوجِبُ الاعتبار، ويَدُلُّ عَلَى التوحيد، ولا تَخْفَى عَجائِبُ قُدْرةِ اللَّهِ وبدائع حِكْمَتِهِ في الأربع، ويَحْتَمِلُ الكُلَّ الرِّياحُ تَذْرُو التُّرابَ، وتَحْمِلُ السَّحابَ، وتَجْرِي رُخاءً حيث أصابَ، وتتَحَرَّى في قِسْمةِ الأُمُورِ الصَّوابَ، من إيصال الكلام، وإصْلَاحِ أمْرِ الأنامِ، وشِفاءِ الأسْقامِ، وتَرْوِيحِ المَسامِّ، وقيل: أراد النِّساءَ الوالِداتِ تَذْرُو الخَلْقَ، وهُن الحامِلَاتُ الجارِياتُ في ترتيب أمْرِ البُعُولِ، المُقَسِّماتُ أمْرَ البَيْتِ في الدُّخُورِ والدُّخُولِ.

ثم ذَكَرَ المُقْسَمَ عليه، فقال تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ} من الخير والشر والثواب والعقاب والجنة والنار {لَصَادِقٌ (٥)} وهذا جواب القسم {وَإِنَّ الدِّينَ} يعني الحساب والجزاء {لَصَادِقٌ (٥)} لَنازِلٌ كائِنٌ.

ثم ابتدأ قَسَمًا آخَرَ، فقال تعالى: {السَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧)} يعني: ذات الخَلْقِ الحَسَنِ المُسْتَوِي، وقيل (١): ذات الطَّرائِقِ كَحُبُكِ الرَّمْلِ والماءِ إذا ضَرَبَتْهُما الرِّيحُ، وحُبُكِ الشعَرِ الجَعْدِ، ولكنّا لا نرى تلك الحُبُكَ لِبُعْدِها عَنّا، وهو جمع حِباكٍ وحَبِيكةٍ (٢)، قال الراجز:

٢٧٨ - كَأنّما جَلَّلَها الحَوّاكُ


(١) قاله مقاتل والكلبي والفراء والأخفش وابن قتيبة، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٨٢، غريب القرآن لابن قتيبة ص ٤٢٠، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص ١٤٧، الوسيط ٤/ ١٧٤، عين المعانِي ورقة ١٢٦/ ب.
(٢) قاله أكثر العلماء، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٨٢، معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٥٢، إعراب القرآن ٤/ ٢٣٦، شفاء الصدور ورقة ٥٥/ ب، وقال الجوهري: "وجمع الحِباكِ حُبُكٌ، وجمع الحَبِيكةِ حَبائِكُ". الصحاح ٤/ ١٥٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>