للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} لِمَنْ تابَ إليه واسْتَغْفَرَهُ، وتَمَّ الكلامُ هاهنا، ثم قال تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}؛ أي: خَلَقَ أباكُمْ آدَمَ من التراب {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} هو جمع جَنِينٍ، وهو الولد ما دام فِي البطن، سُمِّيَ جَنِينًا لاجْتِنانِهِ؛ أي: لاسْتِتارِهِ، وكذلك سُمِّيَ الجِنُّ جِنًّا لاختفائهم (١)، ومعنى الآية أن اللَّه -سبحانه- عَلِمَ من كل نفس ما هي صانِعةٌ، وإلى ما هي صائِرةٌ {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}؛ أي: لا تُبَرِّئُوها عن الإثْمِ، ولا تَمْدَحُوها بِحُسْنِ أعمالها {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢) أي: بمَنْ بَرِئَ وأطاع اللَّه، وأخلص العمل له.

قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) أي: أعْرَضَ عن الحق وعن طاعة اللَّه تعالى {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (٣٤)} قيل (٢): نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة، كان قد أسْلَمَ، ثُمَّ عَيَّرَهُ بعضُ المشركين على تَرْكِ دِينِهِ، فقال: إنِّي خَشِيتُ عَذابَ اللَّه، فقال: أنا أتَحَمَّلُ عنك العذابَ إن أعْطَيْتَنِي من مالك كذا وكذا، فرجع إلى الشِّرْكِ، فَأعْطَى الذي عَيَّرَهُ بَعْضَ ذلك المالِ الذي ضَمِنَ له، ومَنَعَهُ تَمامَهُ، فنَزَلَ فيه: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى}؛ أي: أدْبَرَ عن الحق والإسلام، {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى}؛ أي: قَطَعَ ومَنَعَ وبَخِلَ.

وأصله من الكُدْيةِ وهو حَجَرٌ يظهر فِي البِئْرِ، ويَمْنَعُ من الحَفْرِ، ويُيْئِسُ من الماء، تقول العرب: أكْدَى الحافِرُ وأجْبَلَ: إذا بلغ فِي الحَفْرِ الكُدْيةَ


= كتاب الرقاق: باب "وَحَرامٌ عَلَى قَرْيةٍ أهْلَكْناها"، ورواه مسلم في صحيحه ٨/ ٥٢ كتاب القَدَرِ: باب "قُدِّرَ على ابن آدم حظُّهُ من الزنا".
(١) قاله النقاش في شفاء الصدور ٧٣/ ب، وحكاه الأزهري عن الليث في التهذيب ١٠/ ٤٩٦.
(٢) ينظر: تفسير مجاهد ٢/ ٦٣١، جامع البيان ٢٧/ ٩٢، الكشف والبيان ٩/ ١٥١، أسباب النزول ص ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>