للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: "إذا كان يَوْمُ القيامة مُثِّلَ لِكُلِّ قَوْمٍ ما كانوا يعبدون في الدنيا، ويَبْقَى أهْلُ التوحيد، فَيُقالُ لهم: ما تَنْتَظِرُونَ وقد ذَهَبَ الناسُ؟، فيقولون: إنَّ لَنا رَبًّا كُنّا نَعْبُدُهُ فِي الدنيا لَمْ نَرَهُ، فيقال لهم: أوَتَعْرِفُونَهُ إذا رَأيْتُمُوهُ؟ فيقولون: نَعَمْ، فَيُقالُ لَهُمْ: كَيْفَ تَعْرِفُونَهُ وَلَمْ تَرَوْهُ؟، قالوا: إنه لا شَبِيهَ لَهُ، فَيُكْشَفُ لَهُمْ عن الحِجابِ، فينظرون إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فَيَخِرُّونَ له سُجَّدًا، ويَبْقَى أقْوامٌ ظُهُورُهُمْ مِثْلُ صَياصِي البَقَرِ، يريدون السجودَ فلا يستطيعون، وذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}، فيقول اللَّه عزّ وجلّ: عِبادِي: ارْفَعُوا رُؤوسَكُمْ، فَقَدْ جَعَلْتُ بَدَلَ كُلِّ رَجُلٍ منكم رَجُلًا من اليَهُودِ والنَّصارَى فِي النّارِ" (١).

وقوله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} يعني: ذليلةً خاضعةً حين أيْقَنُوا بالعذاب، وعايَنُوا النّارَ، وهو نصب على الحال، و {أَبْصَارُهُمْ} رفع بفعله، ويجوز رفعهما جميعًا على الابتداء والخبر (٢).

وقوله: {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}؛ أي: تَغْشاهُمْ نَدامةٌ وحَسْرةٌ {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} يعني: بالأذانِ في دار الدنيا والإقامةِ، ويُؤْمَرُونَ بالصلاة المكتوبة {وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣)} مُعافَوْنَ، ليس في أصْلَابِهِمْ مِثْلُ سَفافِيدِ الحَدِيدِ.

قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} "إنْ" عند الكوفيين بمعنى "ما"، واللام بمعنى "إلّا"، تقديره: وما يكاد الذين كفروا إلّا لَيُزْلِقُونَكَ، و"إنْ" عند البصريين مخففة من الثقيلة، واسمها مضمر معها، واللّام لام


(١) ينظر: الوسيط ٤/ ٣٤٠، ٣٤١، تاريخ دمشق ٤٣/ ٣٣٤، عين المعانِي ورقة ١٣٦/ ب، تفسير القرطبي ١٨/ ٢٤٩، الدر المنثور ٦/ ٢٩٢.
(٢) وهذا في غير القرآن، وهذا قول النحاس في إعراب القرآن ٥/ ١٥، وينظر: الفريد ٤/ ٥١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>