للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ} يريد: عن الإيمان {وَتَوَلَّى (١٧)} عن الحَقِّ، فتقول النارُ: إلَيَّ يا مُشْرِكُ، إلَيَّ يا مُنافِقُ، إلَيَّ يا فاسِقُ، إلَيَّ يا ظالِمُ، تدعوهم بأسمائهم بِلِسانٍ فَصِيحٍ، ثم تَلْتَقِطُهُمْ كما يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الحَبَّ (١).

قوله: {وَجَمَعَ} يعني: جَمَعَ المالَ {فَأَوْعَى (١٨)} أمْسَكَهُ فِي الوِعاءِ، وَلَمْ يُنْفِقْهُ في طاعة اللَّه، وَلَمْ يُؤَدِّ حَقَّ اللَّه منه، ولا وَصَلَ رَحِمًا، رُوِيَ عن عبد اللَّه ابن عُكَيْمٍ (٢) أنه كان لا يَرْبِطُ كِيسَهُ، ويقول: سمعتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يقول: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى} (٣).

قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩)} الهَلُوعُ: الحريص على ما لا يَحِلُّ له، الشَّحِيحُ الضَّجِرُ، ويقال: الشَّرِهُ الذي لا يَشْبَعُ، وقيل: هو الجَبانُ، قال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شَرُّ ما أُعْطِيَ العَبْدُ شُحٌّ هالِعٌ وجُبْنٌ خالِعٌ" (٤)، وهو مأخوذ من الهَلَعِ وهو شِدّةُ الحِرْصِ وقِلّةُ الصَّبْرِ، وقيل: الهَلُوعُ: الذي لا يَرْضَى عند الموجود، ويَسْخَطُ عند المفقود، وقيل: هو الذي إذا افْتَقَرَ جَزِعَ، وإذا أيْسَرَ مَنَعَ (٥)، ويَدُلُّ


(١) قاله ابن عباس، ينظر: شفاء الصدور ورقة ١٦٥/ أ، الكشف والبيان ١٠/ ٣٨، الوسيط ٤/ ٣٥٣، زاد المسير ٨/ ٣٦٢.
(٢) عبد اللَّه بن عُكَيْمِ بن زيد بن لَيْثٍ، أبو معبد الجُهَنِيُّ، تابِعِيٌّ ثِقةٌ أدْرَكَ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولَمْ يسمِع منه شيئًا، سَمِعَ عُمَرَ وابنَ مسعود وحُذَيْفةَ بن اليمان، كان إمام مسجد جُهَيْنةَ بالكوفة، وتوفِّيَ في إمارة الحجاج. [تهذيب الكمال ١٥/ ٣١٧ - ٣٢٠، سير أعلام النبلاء ٣/ ٥١٠ - ٥١٢].
(٣) ينظر: جامع البيان ٢٩/ ٩٦، الكشف والبيان ١٠/ ٣٩، تفسير القرطبي ١٨/ ٢٨٩.
(٤) رواه الإمام أحمد بسنده عن أبِي هريرة في المسند ٢/ ٣٠٢، ٣٢٠، وأبو داود في سننه ١/ ٥٦٤ كتاب الجهاد: باب في الجرأة والجبن، ورواه ابنُ أبِي شيبة في مصنفه ٦/ ٢٥٣ كتاب الأدب: باب في الشح، وينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٣٩.
(٥) ينظر في هذه الأقوال: معانِي القرآن للفراء ٣/ ١٨٥، جامع البيان ٢٩/ ٩٦ - ٩٧، الكشف والبيان ١٠/ ٣٩، عين المعانِي ورقة ١٣٧/ ب، تفسير القرطبي ١٨/ ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>