للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر عذرهم، فقال تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} فلا يُطِيقُونَ قِيامَ اللَّيْلِ، و {أَنْ} مخففة من الثقيلة، والهاء مضمرة، و {سَيَكُونُ} الخَبَرُ، تقديره: عَلِمَ أنَّهُ سَيَكُونُ، ومثله: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (١)، تأويله: أفلا يعلمون أنه لا يَرْجِعُ إليهم قولًا، وأتى {سَيَكُونُ} على لفظ التذكير لأن تأنيث {مَرْضَى} غير حقيقي.

قوله: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} يريد: للتجارة {يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}؛ أي: يطلبون الرزق {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فلا يطيقون قيام الليل، فهذه رُخْصة من اللَّه تعالى لَهُمْ بعد التشديد و"آخَرُونَ" عطف على {مَرْضَى}.

قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} يعني: من القرآن {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} يعني: أتِمُّوا الصلواتِ الخَمْسَ بوضوئها وركوعها وسجودها والمواظبة عليها فِي مواقيتها {وَآتُوا الزَّكَاةَ}؛ أي: أعطوا الزكاة المفروضة من أموالكم، وهما فريضتان واجبتان، لا رخصة فيهما {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} طَيِّبةً بها نُفُوسُكُمْ، يريد صدقةَ التطوِع وصلةَ الرحم وقِرَى الضَّيْفِ {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ} يعني من صَدَقةِ فرِيضةٍ أو تَطَوُّعٍ {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ}؛ أي: تجدوا ثوابه في الآخرة {هُوَ خَيْرًا} يعني: من الشُّحِّ والتَّقصِير {وَأَعْظَمَ أَجْرًا} يعني: أفضل أجْرًا من ذلك الذي قَدَّمْتُمُوهُ لو لَمْ تكونوا قَدَّمْتُمُوهُ.

ونصب {خَيْرًا} و {أَعْظَمَ أَجْرًا} على أنه مفعول ثانٍ لـ {تَجِدُوهُ}، وقيل: على الخبر لـ {تَجِدُوهُ}، قاله الخليلُ (٢)، و {أَجْرًا} على التفسير، و {هُوَ} فصل في


(١) طه ٨٩، وينظر في هذه المسألة: الكتاب ٣/ ٧٤، ١٦٦، ١٦٧، المقتضب ٢/ ٣١، ٣/ ٧، الأصول لابن السراج ١/ ٢٣٩، ٢٤٠، إعراب القرآن للنحاس ٢/ ١٤٩، مشكل إعراب القرآن لمكي ابن أبِي طالب ٢/ ٤٢٢.
(٢) الجمل المنسوب للخليل ص ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>