للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} وجهان، إن شئتَ جعلتَ "عَن" الأولى صِلةً للفعل الظاهر، والثانيةَ صِلةً لفعلٍ مضمرٍ، كأنك قلتَ: عَنْ أيِّ شَيْءٍ يَتَساءَلُونَ؟ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ، قال: فَمِنْ هذا الوجه يَحْسُنُ الوُقُوفُ على {يَتَسَاءَلُونَ}، والوجه الآخر: أن تجعل "عن" الثانية توكيدًا للأُولَى كما قرأ عبد اللَّه بن مسعود: {وَلِلظّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (١)، فجعل اللام الثانية توكيدًا للأُولَى، وأنشد الفَرّاءُ (٢):

أقُولُ لَها إذا سَألَتْ طَلَاقًا: ... إلَامَ تُسارِعِينَ إلَى فِراقِي (٣)

فَأكَّدَ الأولى بالثانية.

ثُمَّ بَيَّنَ فقال: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢)} يعني القرآن في قول عامة المفسرين، وقال الضحاك: يعني نَبَأ يَوْمِ القيامة {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)} مِنْ بَيْنِ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٥)} إذا قُتِلُوا بِبَدْرٍ، وَتَوَفَّتْهُم الملائكةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأدْبارَهُمْ، وهذا وَعِيدٌ من اللَّه على إثْرِ وَعِيدٍ، والوعيد الثانِي: القيامةُ، قرأ العامة بالياء فيهما، وقرأ بعض قُرّاءِ أهْلِ الشامِ بالتاء فيهما (٤).

قيل: إنها نزلت في أبِي جَهْلِ بن هشام وأصحابِهِ، كانوا يجتمعون عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا حَدَّثَهُمْ خالفوا حَدِيثَهُ، واسْتَهْزَؤوا به، وَسَخِرُوا منه، فأنزل


(١) سورة الإنسان من الآية ٣١، وينظر ما تقدم في هذه الآية ٤/ ٢٢٥.
(٢) معانِي القرآن ٣/ ٢٢١.
(٣) تقدم برقم ٤٥٢، ٤/ ٢٢٦.
(٤) قرأ ابن عامر في رواية ابن ذَكْوانَ عنه، والحَسَنُ وأبو العالية ومالكُ بن دِينارٍ: "سَتَعْلَمُونَ" بالتاء فيهما، وقرأ ابن عامر في رواية هشام بالياء فيهما، وقرأ الضحاكُ الأولَ منهما بالتاء والثانِيَ بالياء، ينظر: السبعة ص ٦٦٨، تفسير القرطبي ١٩/ ١٧١، البحر المحيط ٨/ ٤٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>