للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠)} يعني: سَكَنًا، ألْبَسَكُمْ ظُلْمةَ الليل لتسكنوا فيه؛ لأن الليل يُغَطِّي وَيَسْتُرُ كما يُغَطِّي اللِّباسُ وَيَسْتُرُ {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (١١)} كذلك، أراد: لِلْخَلْقِ يَلْتَمِسُونَ فيه مَعاشَهُمْ؛ أي: جعلنا النهار سَبَبًا لِمَعاشِكُمْ والتَّصَرُّفِ فِي مَصالِحِكُمْ، فَسَمّاهُ به كقول الشاعر:

٤٥٧ - وَأخُو الهُمُومِ إذا الهُمُومُ تَحَضَّرَتْ... جُنْحَ الظَّلَامِ وِسادُهُ لَا يَرْقُدُ (١)

فَجَعَلَ الوِسادةَ هي التي لا تَرْقُدُ، والمَعْنَى لِصاحِبِ الوِسادةِ (٢).

والمَعاشُ: العَيْشُ، وكل شيء يُعاشُ به فهو مَعاشٌ، والمعنى: جَعَلْنا النَّهارَ مُبْتَغَى مَعاشٍ أو مَطْلَبَ مَعاشٍ، قال ابن عباس (٣): يريد: تبتغون فيه من فضل ربكم وما قَسَمَ لكم فيه من رِزْقِهِ، يُذَكِّرُهُم اللَّهُ تعالى نِعْمَتَهُ عليهم فِي لَيْلِهِمْ وَنَهارِهِمْ.

ثم ذَكَرَ مُلْكَهُ وَجَبَرُوتَهُ وارتفاعه، فقال: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ} نصب على الظرف {سَبْعًا شِدَادًا (١٢)} يعني السَّماواتِ السَّبْعَ، غِلَظُ كُلِّ سَماءٍ مَسِيرُ خَمْسِمِائةِ عامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَماءَيْنِ مِثْلُ ذلك، نظيرها في سورة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} (٤)، {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (١٣) أي: وَقّادًا


(١) البيت من الكامل، لِلطِّرِمّاحِ بن حَكِيمٍ، ومعنى تَحَضَّرَتْهُ الهُمُومُ: حَضَرَتْهُ.
التخريج: ديوانه ص ١١٩، جامع البيان ٣٠/ ٦، الأضداد لابن الأنباري ص ٢٩٦، أساس البلاغة: حضر، عين المعانِي ١٤١/ أ.
(٢) قاله الطبري والثعلبي، ينظر: جامع البيان ٣٠/ ٦، الكشف والبيان ١٠/ ١١٤.
(٣) ينظر قوله في الوسيط للواحدي ٤/ ٤١٢.
(٤) المؤمنون ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>