للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نَبَّهَ على البعث بقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥)} هذا مِنْ نَظَر القَلْبِ، والمعنى: فَلْيَنْظُرْ نَظَرَ تَفَكُّرٍ واسْتِدْلَالٍ، حَتَّى يَعْرِفَ مِنْ أيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ رَبُّهُ، وأن الذي ابتدأه من نطفة قادرٌ على إعادته، والأصل: مِمّا خُلِقَ؟ حُذفت الألف لأنه استفهام.

وَتَمَّ الكلام، ثُمَّ بَيَّنَ مِنْ أيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، فقال: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) أي: مَدْفُوقٍ مَصْبُوبٍ في الرَّحِمِ وهو المَنِيُّ، "فاعِلٌ" بمعنى "مَفْعُولٍ"، قال الفَرّاءُ (١): وأهل الحجاز يَجْعَلُونَ الفاعلَ بِمَعْنَى المفعول في كثيرٍ من كلامهم، كقولهم: سِرٌّ كاتِمٌ، وَلَيْلٌ نائِمٌ، وَنَهارٌ صائِمٌ، وَهَمٌّ ناصِبٌ، وَعِيشةٌ راضِيةٌ.

والدَّفْقُ: صَبُّ الماءِ، يُقال: دَفَقْتُ الماءَ؛ أي: صَبَبْتُهُ، ثم وَصَفَ ذلك الماءَ، فقال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)} يعني صُلْبَ الرَّجُلِ وَتَرائِبَ المَرْأْةِ (٢)، والوَلَدُ لا يكون إلا من الماءَيْنِ، والتَّرائِبُ جَمْعُ تَرِيبةٍ، وهي مكان


(١) معانِي القرآن ٣/ ٢٥٥ باختلاف في ألفاظه، وهذا هو مذهب الكوفيين، وأما البصريون فإن هذا عندهم مما جاء على النسب، والمعنى: مِنْ ماءٍ ذِي دَفْقٍ، قال سيبويه: "وقال الخليل: إنما قالوا: عِيشةٌ راضِيةٌ، وَطاَعِمٌ وَكاسٍ على ذا، أي: ذات رِضًا وَذُو كِسْوةٍ وَطَعامٍ، وقالوا: فاعلٌ لِذِي الفِعْلِ، وقال الشاعر:
كِلِينِي لِهَمٍّ يا أُمَيْمةَ ناصِبِ
أي: لِهَمٍّ ذِي نَصَبٍ". الكتاب ٣/ ٣٨٢، وينظر أيضًا: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٣١١، إعراب القرآن ٥/ ١٩٨، تهذيب اللغة ٩/ ٣٩.
وَوافَقَ الزَّجّاجِيُّ وابنُ خالَوَيْهِ الكوفيين، ينظر: أخبار أبِي القاسم الزجاجي ص ٢٠٨، ليس في كلام العرب ص ٣١٧، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة ٩/ ٣٩، زاد المسير ٩/ ٨٢، تفسير القرطبي ٢٠/ ٤.
(٢) قاله أبو عمر الزاهد والنقاش والأزهري، ينظر: ياقوتة الصراط ص ٥٦٨، شفاء الصدور ورقة ٢٢٩/ أ، تهذيب اللغة ١٤/ ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>