للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الماضي بمعنى "لَمْ" مع المستقبل (١)، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-:

إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمّا

وَأيُّ عَبْدٍ لَكَ لا ألَمّا (٢)

أي: أيُّ عَبْدٍ لَكَ لَمْ يُلِمَّ بِذَنْبٍ؟ أخَذَهُ من اللَّمَمِ، وهو من الصغائر.

وَذِكْرُ العَقَبةِ هاهنا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تعالَى لِمُجاهَدةِ النَّفْسِ والهَوَى والشَّيْطانِ في أعمال البرِّ، فجعله كالذي يَتَكَلَّفُ صُعُودَ العَقَبةِ (٣)، يقول: لَمْ يَحْمِلْ عَلَى نَفْسِهِ المَشَقَّةَ بِعِتْقِ الرَّقَبةِ والإطْعامِ، وهو قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) أي: ما اقتحام العقبة؟، قال سفيانُ بنُ عُيَيْنةَ (٤): "كُلُّ شَيْءٍ قالَ اللَّهُ تعالَى:


(١) قال الأخفش: "وقال: "فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبةَ" يقول: فَلَمْ يَقْتَحِمْ، كما قال: "فَلَا صَدَّقَ"، أي: فَلَمْ يُصَدِّقْ". معاني القرآن ص ٥٣٨.
وإذا كانت بمعنى "لَمْ" لَمْ يَلْزَمْ تكريرُها كما قال العلماء، قال الفَرّاءُ: "وقوله تعالى: "فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبةَ"، وَلَمْ يُضَمَّ إلَى قوله: "فَلَا اقْتَحَمَ" كَلَامٌ آخَرُ فيه "لا"؛ لأن العرب لا تكاد تُفْرِدُ "لا" في الكلام حتى يُعِيدُوها عليه في كلامٍ آخَرَ، كما قال تعالى: "فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلى"، و"لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، وهو كان في آخِرِهِ معناه، فاكتفى بواحدة من أخرى، ألا ترى أنه فَسَّرَ اقتحامَ العَقَبةِ بشيئين فقال: "فَكَّ رَقَبةً. أوْ أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبةٍ. . . ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا"، فَفَسَّرَها بثلاثة أشياءَ، فكأنه كان في أوَّلِ الكلام: فَلَا فَعَلَ ذا وَلَا ذا وَلَا ذا". معانِي القرآن ٣/ ٢٦٤، ٢٦٥، وينظر أيضًا: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٣٢٩، الأصول لابن السراج ١/ ٤٠٠، ٤٠١، ٢/ ٦٠، حروف المعانِي للزجاجي ص ٨، الحجة للفارسي ٤/ ١٢٥، تهذيب اللغة ١٥/ ٤٢٠، الصاحبي ص ٢٥٧.
(٢) تقدم برقم ٢٩٧، ٣/ ٢١٤.
(٣) قاله قتادة والواحدي، ينظر: الوسيط للواحدي ٤/ ٤٩١ وينظر قول قتادة في الكشف والبيان ١٠/ ٢١٠، المحرر الوجيز ٥/ ٤٨٥، زاد المسير ٩/ ١٣٤، عين المعانِي ورقة ١٤٥/ ب.
(٤) ينظر قوله في جامع البيان ٢٩/ ٥٩، إعراب القرآن ٥/ ٢٣٢، الكشف والبيان ١٠/ ٢١٠، مجمع البيان ١٠/ ٣٦٥، تفسير القرطبي ٢٠/ ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>